النهار

الياس الديري في الطريق إلى مورينا
الياس الديري.
A+   A-
لا أحد مثل الياس الديري يعرف الطريق إلى مورينا.
 
فهو زيّان، وعلى صدره أل التعريف، وله الأولويّة في الجغرافيا، وفي الاجتماع، وفي المكان. فهو الدليل المرشد، وهو المدبّر، وهو الجواب عند السؤال، وهو الرفيق، وهو الصديق، وهو المستشار، وهو العارف، وهو المؤتمن، وهو الأمين، وليس من صعوبةٍ جمّةٍ إذا هو أراد أنْ يعود إلى هناك، لأنّه المقيم في الموضع ذاك، وعلى الدوام، ومن الأساس، وغدًا. وإلى دهر الداهرين.
 
ومورينا، كثرٌ لا يعرفون ما مورينا، ومَن؟ وهل هي النبع المخبّأ هناك؟ وهل هي القلب ونياطه ومفتاحه؟ وهل هي المبدأ؟ وهل الرجولة؟ وهل الفكرة؟ وهل الحلم بالبطولة، وأيًا يكن، من أسرار الدروب، ومشقّاتها، وأشواقها.
 
لا أحد مثل الياس الديري يعرف الطريق إلى مورينا، وعن ظهر قلب، لانّه هو، لا غيره، الملمّ بالشعاب الموصِلة إلى هناك، المرئيّة منها وتلك الشائكة، وهاتيك التي ليست برؤيةٍ أو بجغرافيا. هذه مواهب لدى الياس، تفوح في قلمه، وعلى الورقة البيضاء، كمثل الأرض بعد أوّل شتوة، كمثل النسيم، كمثل الفطرة الذكيّة، بل أيضًا كمثل العلم الذي يتحصّل بالبداهة، وهذه عنده سؤدد الطفولة، وساحة الفتوّة، وملعب الكتابة، ومسرح القول والرأي، الذي له فيه أكثر من شرفةٍ ونافذة، ومنبرٍ، ومرجلة.
 
يغيب الياس الديري، ولا يحلو أنْ يغيب. بل بحزنٍ عظيم. وبأوجاع. مُحِبّوه ومريدوه غفيرون، أقلّه كشجرة زيتونٍ في دده، في الكورة الخضراء، مثقلةٍ بحبّات الزيتون، وما أطيبها، بأغصانها وهي تتكئ من فرط الأحمال اللذيذة. وهو إذ يغيب، فليس من دون أن يترك كبير أثر، وفي الأدب أوّلًا، في القصّة، وفي الرواية، فهو فيهما صاحب طريقة. وفي الصحافة، وكم له فيها من حلبات، وامتحانات، ونجاحات. ووزناته مضاعفة، وستُزاد. وهو إذ يغيب، في زمن الصعوبة، بتواضع الكبار، وبالتقشّف المضني المستريح، بعد طول مراسٍ وعناء، فسيظلّ يُستدعى ليُنادى عليه ليكون الرفيق والدليل، وسيُنادى باسمه وبقلمه، وعلى الطريقة التي يُنادى بها المُجَلّون النيِّرون المستقيمو الرأي من أبناء التربة السمراء الملكيّة. وسيُنادى به موفورَ الكرامة، وهو العائد إلى هناك، وبمثله يُستدَلّ إلى ذلك الموضع الأصليّ الذي تجتمع فيه أسرار المكان والعمر والتجربة والعلامات التي تتجلّل بأكثر من قمرٍ وقنديلٍ ومنارة. وهو يستطيع أنْ يعود باعتزاز، وسينام قرير العين، موفور الجانب، معزّزًا بسعف الزيتون، بعدما صال وجال، ثابت الخطى، أو على الصهوة، ومترجّلًا، مستنكرًا العثرة والخطأ، وفي مقدوره أنْ يسمع هتافات الأرض الأولى التي تصفّق له، حيث لا يحتاج إلى مَن يقوده إليها في هول هذه الحلكة اللبنانيّة النكراء التي تنكّل بالوجود والحياة والأمل وبحبوحة اللغة وكرامة العيش.
 
يغيب الياس الديري، وستسهر عليه كلمات الجريدة، والجرائد، والصحافة، وستخفره الكتب، وستحرسه مورينا، وستؤنس تغيّبه بقراءة الافتتاحيّات، واللقاءات، والمواعيد، والاجتماعات، والفتوحات، ومجمل ما تجلّى فيه، وفيه برع، واستفاض، وأجاد.
 
لا أحد مثلك يعرف الطريق إلى مورينا، يا الياس. لا أحد. سلامي اليك.
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium