اتفاق "التهدئة" الذي توصّل إليه رئيس الوزراء العراقي مع الرئيس الإيراني، إلامَ يدلّ وماذا يشمل؟ في الدلالات أولاً، تظهر الحاجة الإيرانية الى الاتفاق النووي "للاستفادة من مزاياه الاقتصادية" بالتخلّص من العقوبات الاميركية، أي إن طهران لم تجنِ شيئاً من كل مناورات "الخطوط الحمر" والإصرار على تنظيف "الحرس الثوري" من سمعة الإرهاب والتصعيد ضد وكالة الطاقة الذرّية، ما استوجب إعادة إبراز الهدف الأساسي من مفاوضات فيينا، وهو رفع العقوبات، من دون تحويلها الى معركة ديبلوماسية لكسر الولايات المتحدة والاحتفال بـ"الانتصار" عليها. لكن النزول من شجرة التصعيد تطلّب أن تستمع طهران الى نصائح وزير الخارجية الروسي (موسكو تستفيد من رفع العقوبات عن إيران)، ثم الى رسائل أميركية حملها مسؤول السياسة الخارجية الأوروبي، ثم الى عروض رئيس الوزراء العراقي الآتي إليها من لقائه مع وليّ العهد السعودي في جدّة.
لا بدّ من دعم الهدنة في اليمن وتطويرها الى مفاوضات حلٍّ سياسي إذا أريد لـ"الحوار" السعودي - الإيراني في بغداد أن يتقدّم. هذا ما استنتجه الجانب الإيراني من حديث "التهدئة". ففي اليمن تتحقق "التهدئة" أو لا تتحقّق، تسهّل التفاوض النووي أو تعقّده، تقود الى إعادة فتح السفارتين في الرياض وطهران أو تبقي العلاقات الديبلوماسية مقطوعة، وتفتح صفحة جديدة بين طهران وعواصم الخليج أو تديم الفتور. وفي الخلفية أن هناك حلفاً أمنياً إقليمياً يتبلور في المنطقة، وسواء كانت إيران تخشاه أو تقلّل إعلامياً من أهميّته، على جري عادتها، فالأكيد أنها لا تجهل مخاطره، بل تدرك أن تهديداتها وسياساتها الإقليمية هي التي قادت الى الأمر الواقع الذي فرض هذا "الحلف"، وإلى أن تكون إسرائيل جزءاً منه.
والأهم أن هذا "الحلف" يضع إيران أمام مُعطيين: الأول، أنه الصيغة والوسيلة اللتان توصّل إليهما "البنتاغون" لإبقاء الالتزامات الدفاعية الأميركية في المنطقة. والثاني، أن "الحلف" يشكّل الأسلوب الوحيد لردع إيران وإشعارها بأن أراضيها ستكون مستهدفة مباشرةً، وبالتالي فإن تهديدها بـ"إشعال المنطقة" بواسطة ميليشياتها لن يعفيها من تحمّل التبعات مباشرةً... لا شك في أن "حلف" الضرورة هذا ليس الصيغة المثلى التي ترضي أيّ مفهوم لـ"الأمن القومي العربي"، لكن العودة الى الاتفاق النووي، كما هندسه باراك أوباما، بلا أيّ ضمانات للأطراف الإقليمية، تعني الترخيص مجدّداً لإيران كي تواصل توسيع نفوذها التخريبي واستخدام الجماعات الارهابية. من هنا، إن أيّ اتفاق نووي جديد يتطلّب اتفاقاً موازياً يعكس مستوى أعلى من الجدّية في الالتزامات الأميركية تجاه دول الجوار العربي لإيران، وليس مجرّد انتهاز للظرف لطرح "خريطة طريق للتطبيع مع إسرائيل".
خارج إطار الاتفاق النووي وتطوير الهدنة في اليمن، هل يمكن أن تنعكس "التهدئة" على العراق، مثلاً؟ هذا ما تأمله بغداد التي تريد الحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار وأبلغت مسبقاً أنها غير معنيّة بـ"الحلف الإقليمي". أمّا لبنان فالأرجح أن "التهدئة" لن تشمله لأن "التطبيع" السعودي - الإيراني ليس مبرمجاً لغدٍ قريب. وأمّا سوريا فتحتاج الى ما هو أكثر من هذا "التطبيع".