اليوم، الجمعة العظيمة. وهي عظيمة وفق الطقس البيزنطي المعتمد لدى الكنائس الارثوذكسية والروم الكاثوليك، ولا نوافق اخوتنا اللاتين والموارنة الذين يصفونها ويسمونها "الجمعة الحزينة". في اعتبارها حزينة يتم ربطها بالموت والحزن. وفي هذا ما يناقض الفكر اللاهوتي المسيحي، والشرقي تحديدا. لا يمكن اعتبار الجمعة العظيمة حزينة، لانها محطة عبور الى القيامة، وليست موتا دائما وابديا، وليست الفناء والنهاية. القيامة هي الفرح، والانتصار على الموت، والغلبة على الجحيم. هي الحياة الجديدة، والجنة الموعودة، والعبور اليها ليس حزناً بل فرحاً للقيا الفصح.
اذا هذه الجمعة عظيمة بالفعل والفكر والمعتقد. وكل حزن لا يمت الى المسيحية بصلة، اذ تعلمنا الكنيسة ان الموت هو انتقال، يعبر من خلاله الانسان من الحياة الارضية الى الحياة السماوية، الى الحياة الاخرى الخالدة، حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهد، بل حياة لا نهاية لها.
يحزن البشر لفقد من يحبون، سواء سافروا موقتا، او الى البعيد الدائم. يبكون افتقادهم الى من يحبون، وخسارتهم الرفقة والعشرة. لكن الناس يعتادون هذا الغياب بعد حين، رغم كل عبارات المكابرة وشحذ الهمم والنفوس والاستعطاف احيانا. ومن يأسره الغياب الى هذا الحد، ويتنامى، يحتاج الى علاج ومتابعة، لانه بدون النسيان تصبح الحياة مستحيلة.
تقول الكنيسة الكاثوليكية في المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي انعقد في ستينيات القرن الماضي، ان الجنة هي حالة القرب من الله، وجهنم هي حالة البعد عن الله، ما يعني ان الانسان، المخيّر، قادر ان يقتحم الجنة وهو بعد حيّ في هذا العالم، فلا تعود ساعة الموت يتملكها الخوف من المجهول.
امام هذه الافكار، اكرر باستمرار اني لا اهوى المسيح، الذي يكتفي بالتبشير بالاضطهاد من اجل اسمه، والذي يدعو الى ادارة الخد الايسر بعد تلقي الخد الايمن صفعة،.. بل اهوى مسيح القيامة الذي غلب الموت وكسر المستحيل، وطرد التجار من الهيكل، واقام الموتى، وشفى المرضى، واطعم الجياع.
هذا المسيح اراه في الجمعة العظيمة، ولا احبذ رؤيته في جمعة حزينة، اذ لا حزن مع القائم من الموت.