يقرأ الرئيس نبيه بري بتمعن ومتابعة كبيرين ما ورد في بيان سفراء المجموعة الخماسية حيث يعتبر أن مضمونه يتلاقى بنسبة كبيرة مع ما ينادي به منذ نحو سنتين قبل حلول موعد الاستحقاق الرئاسي. وإن كان لم يعد يتوقف عند عبارتي "الحوار" أو "المشاورات" ما دامت المساعي التي تقوم بها الدول المعنية الى جانب حراك الكتل، ولا سيما بعد مبادرة نواب "الاعتدال الوطني" تؤدّي كلها الى انتخاب رئيس للبلاد. ولذلك تلقف رئيس المجلس بيان السفراء الذي يمكن البناء عليه بعد كل المحاولات التي يقومون بها مع تلمّس أن دولهم تعمل بوتيرة أكبر في تحضير الأجواء المناسبة لجلسة الانتخاب. ولذلك تلاقت دعوة المجموعة مع مطلب المؤيدين للتشاور قبل الانتخاب، ولا يقتصر أصحاب هذا الطرح على كتلتي "أمل" و"حزب الله" بل يلقى تأييداً من الحزب التقدمي الى جهات أخرى ممثلة في البرلمان.
ومن هنا يأمل بري أن تلبّي الكتل هذا المطلب وتدخل في المشاورات المطلوبة. وعند لحظة تأكده وتيقنه من أن الافرقاء المعنيين سيشاركون في المشاورات السياسية المقترحة وغير المفتوحة والتعاطي معها بجدّية ولا سيما من جانب "القوات اللبنانية"، لا يمانع تحديد جلسة الانتخاب إن كان يضمن أن تكون منتجة وتلبّي المطلوب وأن لا تكون على شاكلة سابقاتها. لكن لم تبد "القوات" أي إشارة بعد حيال ما أعلنته "الخماسية" إن كانت ستسير بخطوة المشاورات.
ماذا بعد بيان السفراء؟
اتفقوا في ما بينهم على سلوك مقاربة تؤدي الى لمّ الشمل النيابي اللبناني قدر الإمكان، وسيُترجم هذا الأمر بالخطوات الآتية:
- سيقوم السفير الفرنسي هيرفي ماغرو بتكليف من السفراء بزيارة بري ووضعه في تفاصيل ما توصلوا إليه للعمل على تحضير الأرضية النيابية المطلوبة للمشاورات المنتظرة.
- سيقوم السفراء الأربعة الآخرون بالتواصل مع رؤساء الكتل الى النواب المستقلين للهدف نفسه مع ترجيح أن يتولى السفير السعودي وليد بخاري هذه المهمة مع رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع. ويعودون بعدها الى عقد جلسة تقييمية لما خلصوا إليه ويقومون بعدها بزيارة بري.
- من غير المستبعد أن يرافق التحضير لهذه المشاورات مجيء الموفد الفرنسي جان - إيف لودريان الى بيروت لإظهار اهتمام باريس ومتابعتها لملف الرئاسة شرط أن لا تخرج عن إطار "الخماسية".
- إن زيارات شخصيات لبنانية للدوحة لا تنفصل عن المسار العام الذي تعتمده قطر التي ستستضيف الرئيس السابق للحزب التقدمي وليد جنبلاط وشخصيات أخرى بغية خلق أكبر مساحة من التلاقي بين الكتل النيابية ومساعدتها في تحقيق ما تنشط عليه "الخماسية" من دون أن تتعارض هذه الاستقبالات مع "الخماسية" لأن الدوحة والعواصم الأخرى لن تتبنّى أيّاً من المرشحين، ولو أن المجموعة لا تعارض في الوقت نفسه أن تؤدي المشاورات المنتظرة الى "تحديد مرشح متفق عليه أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة".
وتقول جهات مواكبة إن ثمة رغبة لم يكشف عنها بين الدوحة والرياض مرتبطة بطهران وهي أن التوجه المقبل في ظل الفيتوات المرفوعة بين الأفرقاء، أن يبدأ البحث عن اسم من غير "فئة الصقور" لرئاسة الجمهورية على أن ينسحب الأمر نفسه على رئيس الحكومة المقبل أيضاً.
وأمام كل هذا التطورات في حركة السفراء فإنها لن تؤدّي الى انتخاب رئيس قبل نهاية أيار الجاري إذ سيواصلون حركتهم هذه من دون التراجع عنها أي بمعنى أنهم لن يتراجعوا عن بذل مساعيهم ولو أن الكتل النيابية تبقى المسؤولة والمعنية الأولى في إتمام الانتخابات. وتعترف مصادر على تماس مع جولات السفراء الخمسة في بيروت بأنه حتى لو تحققت المشاورات المطلوبة بين الكتل وأدت الى حصيلة إيجابية لا يمكن بسهولة تخطي المناخ السائد والعام في البلد نتيجة الحرب المفتوحة في غزة واستمرار إسرائيل في خوضها فضلاً عن التوقف عند أخطار المواجهات العسكرية في الجنوب. وينقل عن سفير عضو في المجموعة أن الوضع لا يساعد على انتخاب رئيس في الأصل قبل تطورات غزة فضلاً عن الضغوط الملقاة على اللبنانيين في ملف النزوح السوري في انتظار ما سيحمله مؤتمر بروكسيل قبل نهاية الشهر، لكن هذه الخلاصة لا ينبغي أن تدعو الى التسليم بالشغور الرئاسي وكأن شيئاً لم يكن. ولا مفر في رأيه في نهاية المطاف من التلاقى على طاولة مشاورات. والمطلوب من كل الكتل النبابية تحمّل كامل مسؤولياتها أمام استحقاقات في هذا الحجم وفي مقدمها انتخاب رئيس مع التوقف عند كل ما سينتج عنه في اليوم التالي لوقف الحرب في الجنوب وانتظار ما سيحمله كبير المستشارين في البيت الأبيض آموس هوكشتاين من ترتيبات قد تحصل على الحدود تتطلب وجود رئيس للجمهورية.
[email protected]