هكذا، تنتصر "النهار"، متحدية كل صعاب الماضي القريب والبعيد، متخطية كل الحواجز، لتنطلق الى مستقبل عربي واعد، مع جيل عربي جديد، طموح، متعلم، ومثقف، يتوثب الى المستقبل، والى استكشاف عوالم جديدة. تواكب كل تطورات العالم العربي وحداثته، وتطمح لأن تحتل صدارة وسط شبابه، فترافقهم في تجسيد مشاريعهم، وتطلعاتهم، وتواكب مسيرة الحداثة العمرانية والتكنولوجية، والأهم المسيرة الانسانية التي يسودها الانفتاح، والحوار، والتسامح، والتقدم. كيف لا والنهضة القائمة تجتذب اهتمام كل الانظار الى هذا العالم العربي.
"النهار" التي كانت رائدة لنحو قرن من الزمن، لا تشيخ، هي شابة في الحادية والتسعين من عمرها، وكيف يقاس العمر؟ هل بعدد السنين، أم بالعطاء، وفرح العطاء، والابتكار والابداع، خصوصا في الاعوام الـ 18 الاخيرة التي تلت اغتيال جبران تويني بهدف إسكات صياح ديك "النهار" وترهيب الصحافيين وأهل الفكر الحر.
اليوم تنطلق "النهار" في رحاب الامارات العربية المتحدة، في اول حلقة من التوسع في العالم العربي، لتطبع أعدادها تباعاً في عواصم عدة.
وانطلاقا من عامها الحادي والتسعين، تنطلق في مسيرة انتقالية، وليست تجريبية، قبل الانطلاقة الكبيرة في ايلول المقبل، وستقوم خلالها بعدّ تنازلي، يمتد على ايام تساوي عدد سنواتها الـ 91، تقدِّم خلالها محطات من "وقفات النهار في تاريخ العرب".
و"النهار" في العالم العربي، لم تغب يوماً عن عالمها ومحيطها الطبيعي منذ التأسيس مع جبران تويني الجد (العام 1933). لكنها اليوم تتوثب من جديد، لتصدر ورقياً، في خطوة اولى، (انتقالية)، من دولة الامارات العربية المتحدة، كمقدمة لتوسع أكبر يشمل عواصم عربية عدة.
هي حاضرة من خلال مواقعها الالكترونية وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، لتدخل كلّ بيت يشاركها أهله القيم ذاتها، قيم الحرية والانسانية والحوار والانفتاح والتعدد وقبول الآخر والتفاعل معه.
لكنها اليوم تزداد حضوراً بقرار جريء يمضي بعكس السير، زمن تراجع الصحافة الورقية، الى حد اضمحلال كثير منها، لتؤكد "النهار" من جديد، أنها قادرة على ان تقدم نموذجاً جديداً يواكب العصر، ويكمّل عمل صحف زميلة قائمة، فلا يتضارب معها، ولا ينافسها في أسواقها.
في ستينات وسبعينات القرن الماضي، كانت "نهار" بيروت، توزَّع في معظم الدول العربية، لكنها تراجعت زمن الحرب التي أوجدت معوّقات كثيرة وكبيرة، حالت أحيانا دون إمكان إخراج العدد من المطبعة، لتوزيعه في المناطق اللبنانية.
وفي زمن الحصار والتضييق ومحاولة تفجير مبنى "النهار" في قلب بيروت، في شارع الحمراء، آنذاك، أطلت "النهار" بمطبوعتها "النهار العربي والدولي" من باريس متخطية كل الحواجز لتوزع أعدادها في أوروبا وفي الدول العربية.
ولاحقاً، مع الثورة التكنولوجية التي تتخطى كل الحواجز، عادت "النهار" الى قرائها ومحبيها وشركائها، لتدخل كل بيت، وترافق القارىء، قبل أن تطور مشاريعها، بالمرئي والمسموع، فتدخل القلوب والعقول، عبر الصورة والصوت.
و"النهار" بأولى طبعاتها العربية اليوم، تعود الى أصالتها العربية، والى وصية مؤسسها الذي كتب يوم غادر لبنان الى الارجنتين سفيراً، رسالة الى نجله وليد، ترسم بوضوح سياسة "النهار"، وكانت بمنزلة الوصية:
"النهار" جريدة لبنان عربية، تدافع عن لبنان واستقلاله بكل ما فيها من قوة، وإذا اختلف لبنان مع أية دولة عربية أو غربية كانت معه بدون تردّد ولا تحيّز... سياستها لاطائفية، فهي وطنية تحلّق فوق الطوائف وتدعو الى إحلال الرابطة الوطنية اللبنانية محل الطائفية والمذهبية في كل المسائل العامة... للبنان في العالم العربي مركز خاص، ولكنه غير شاذ، بل يجب أن ينسجم مع المجموعة العربية... نحن نأخذ من الغرب كل خير نافع، لنضمّه ضمن النطاق الثقافي العربي...".
وفي العام 2002، كتب جبران تويني الحفيد (شهيد الكلمة الحرة): "كانت "النهار" وما زالت تعارض وتناضل، لا تهادن وتدافع بكل قوة عن الحريات العامة وعن الإنسان وعن الأرض، كانت "النهار" تُتهم وتُحاكم وتُلاحق، وما زالت، وكان العاملون فيها يتحملون كل أنواع الضغط وما زالوا. سياسة "النهار" واضحة كـ"وضح النهار"... وستبقى واضحة وثابتة ومستمرة لمئة عام ولأجل غير مسمى، الى جانب الوطن والقارئ، تدافع عن قضاياها، ترافق العصر، تتطور معه، بل تساهم في تطويره، تتكلم لغته، تتحرك، تقلب الطاولات، تحلم، تصرخ، تفرح وتحزن، ترفض اليأس والاستسلام، ترفض التحجّر ولكنها تتمسك بمبادئها وبرسالتها...عمرها من عمر الإيمان بالروح الأبدية، لا من عمر الإنسان، لذلك لا عمر لها!".
اليوم، تؤكد "النهار" كل هذه الثوابت مرة جديدة، وتعاهد أنها ستبقى وفيّة لتاريخها، لشهدائها، للعاملين فيها عبر تاريخها الطويل، وايضا لما كتبه صانع نهضتها غسان تويني في استذكار ابنه الشهيد: "عهدٌ علينا يا ابني كل نهار: لن نستسلم للنار مهما اشتعلت! ولن نخاف الموت الزائل أمام دفع الحياة".
أما أنا فأكرر ما قلته في وداع جدي غسان: لن أرثيك يا جدي يا غسان تويني، واذا كان الشهيد جبران تويني قد اطلق القسَم الشهير (في ثورة الارز في 2005) فأنا أقسم أمامك ان الامانة، أمانة صحيفة "النهار" وأمانة لبنان الديموقراطي السيد الحر المستقل وأمانة العروبة الحضارية، لن تسقط وستبقى كما جعلتها".
لذا اجدني اجدد الوعد والعهد باننا مستمرون مع كل المخلصين، ليس في لبنان وحسب، في التواصل الفكري، والرسالة الصحافية، والتقدم التكنولوجي، خصوصا في عصر الذكاء الاصطناعي فنفيد منه في ما يخدم رؤانا وتطلعاتنا.