الأحد - 08 أيلول 2024
close menu

إعلان

ثورة الخليوي التي أكلت أولادها

المصدر: "النهار"
داود الصايغ
داود الصايغ
Bookmark
تعبيرية.
تعبيرية.
A+ A-
عندما كانت الكونتيسة جان دو باري، العشيقة السابقة للملك لويس الخامس عشر تصعد إلى المقصلة في ٨ كانون الأول ١٧٩٣ أيام الثورة الفرنسية، قالت للجلاد، على ما روى التاريخ: "أمهلني لحظة بعد يا سيدي الجلاد" Encore un moment monsieur le bourreau. فأمهلها لحظة قبل أن يقوم بوظيفته ويقطع رأسها، في زمن الرعب ذاك الذي اختلطت فيه دماء أصحابها بمياه نهر السين، وحيث طويلو العمر فقط في لغة اليوم نجوا من المقصلة التي كانت تعمل طوال ساعات اليوم من دون توقف. وكانت قطعت رأس الملك لويس السادس عشر في مطلع سنة الدماء تلك، وهو في الثامنة والثلاثين من عمره، والملكة ماري أنطوانيت في تشرين الأول من السنة نفسها وهي في السابعة والثلاثين من عمرها. لم يكن هنالك يومها صحافيون ومراسلون وكاميرات تصور فظاعة ما بات يُعرف من ثمّ بزمن الرعب La terreur. ولكن كان هنالك من سمع كلمات تلك السيدة التعسة، التي وُجهت إليها الاتهامات بالاتصال بأعداء الثورة في محاكم ذلك الوقت وحُكم عليها بقطع رأسها وهي في الخمسين من عمرها.ولكن التاريخ نقل الكلمات الأخيرة لتلك السيدة الراقية ربيبة قصر فرساي التي خاطبت جلادها بعبارة "سيدي" Monsieur. هكذا روى الشهود، قبل أن تتولى الحدث من بعد ذلك بسنواتٍ شاشات السينما التي ما لبثت أن طافت على أحداث التاريخ في أي مكانٍ وزمان، وأعادت إحياءها بوسائل الصورة والصوت.على أن المشهد الصاعق الذي يطلّ علينا اليوم ليُفيدنا بأن قطع الرؤوس كان عملاً متوحشاً أدى في معظم الدول إلى إلغاء عقوبة الإعدام، يقابله اليوم - ويا للمفارقة - إعلامٌ متفلّت من كل قيدٍ وضابط، وليس بالمبالغة أن نصفه بالمتوحش، وبخاصة مع تلك الآلة الصغيرة التي كانت عطية ونقمة في آنٍ واحد، حين يسمح بعض حامليها لأنفسهم بأن يقولوا عبرها كل ما يخطر ببالهم وأن يقطعوا عليك هدوء حياتك، نهاراً وليلاً، ليُبلغوك، من دون أي طلبٍ منك، بآرائهم وأفكارهم وتصريحاتهم وحركتهم ومشاريعهم للحلول، ولا تكون لهم أية صفة لذلك. فقط لأنهم مرضى بتلك الشاشة الصغيرة التي صارت تعمل ليس من دون أي ضابطٍ منها، بل بلا ضابطٍ من حاملها. إنه عصر الإعلام والتواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، يقولون. ولكن رغم سمة التطور التي بطبيعتها لم تعد تقف عند أي حد، لا بد من التساؤل: هل عالم اليوم هو الأفضل...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟ تسجيل الدخول
الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم