النهار

 مع اجتياح الذكاء الاصطناعي التوليدي مجالات عدة، تنقسم الآراء حول استخدامه في الأوساط الفنية، إذ يرى بعض الفنانين أنّه يخلو من المشاعر والتجربة الإنسانية التي ينقلها الفنان عبر أعماله، ويرى آخرون أنه فرصة يجب استغلالها لتعزيز الإمكانيات الفنية والبصرية، ومن بينهم الفنان الأميركي المصري حسن رجب الذي يعتقد أنه يستطيع توصيل مشاعره وأحاسيسه عبر لوحاته الرقمية، بواسطة تقنيات الذكاء الاصطناعي.

حسن رجب هو فنان ومهندس معماري مصري من مدينة الإسكندرية، يعيش في ولاية كاليفورنيا الأميركية، ويمتلك استديو للفنون البصرية يحوّل فيه خبرته في الهندسة المعمارية وشغفه بالفنون إلى لوحات رقمية عن مدن مصرية مصمّمة بواسطة الذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف إيجاد "مفردات بصرية" جديدة في مجاله، تخوّله الغوص أكثر في عالم الفنون.

يرغب رجب في إيجاد معايير جديدة للجمال باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، ويقول لـ"النهار" إنّه "ضد فكرة تعميم المعايير نفسها على جميع الشعوب والمجتمعات"، أمر دفعه إلى تغيير أسلوبه في إنتاج الصور، محاولاً البحث عن معانٍ ومفاهيم جديدة تتعلق بمدينة الإسكندرية التي نشأ فيها.

 

"The City is a Tram"

من هنا أتت سلسلة "The City is a Tram"، أي "المدينة عبارة عن ترام"، المكونة من لوحات رقمية أنتجها رجب بواسطة الذكاء الاصطناعي، في محاولة لإظهار معايير جمال جديدة في مدينة الإسكندرية، والنظر إليها من منحى فنّي أكثر منه واقعيّاً.

وقرّر رجب أن يصمّم "المدينة عبارة عن ترام"، لما يحمله ترام الإسكندرية من أهمية كبيرة في مصر وأفريقيا لكونه وسيلة النقل الجماعي الأولى في المنطقة: "الترام مهم جداً بالنسبة إليّ منذ طفولتي، ومهم أيضاً لمدينة الإسكندرية، فهو يعبّر عن صورتها ومدى تطورها في فترة كبيرة من تاريخها".

يعمل رجب على هذه السلسلة منذ نحو عامين، ولم ينهِ تصميمها بعد، ويرى أنّ "الذكاء الاصطناعي يسمح للإنسان بإنتاج الصور في وقت سريع للغاية، ولو في ثوانٍ، إلا أنه قد يستغرق وقتاً طويلاً أيضاً بسبب تطور المفردات التي نستخدمها مع مرور الوقت". وخلال عملية تصميم الصور، يحرص رجب على "وصف إحساسه" تجاه ما يريد إنتاجه، ويحاول ترك مساحة في التخيل للذكاء الاصطناعي لاختبار ما يمكنه تقديمه من خلال إعطائه مفردات مبسطة.

 

 

يظهر "ترام الإسكندرية" في لوحات رجب الرقمية بلونه الأزرق، كما هو في الواقع، إلا أن فكرة الترام وخلفيته تختلف مع كلّ صورة، ففي إحدى الصور يظهر بين أمواج بحر الإسكندرية على سكته الحديدية، وفي صور أخرى يأخذ شكل مبنى مؤلّف من عدة طبقات، ويأخذ أيضاً شكل سوق خضار شعبي مكتظ بالناس.

ويعدّ حسن هذه السلسلة من أجمل أعماله الرقمية، ويصفها بأنها "تعبّر عن كيف يمكننا استخدام الذكاء الاصطناعي لتزويد مخزوننا البصري والفنّي".

 

 

"We are all kings"

وفي سلسلة أخرى تعبّر عن فكرة الهوية المصرية بعنوان "We are all kings"، أي "نحن جميعاً ملوك"، يطرح رجب تخيّلاً جديداً للمباني السكنية في مصر، وتحديداً في مدينة القاهرة، إذا اتُخذت الأهرام كنمط جديد للعمارة المصرية. فالأهرام "لا تعبّر عن ماضي مصر فقط، بل حاضرها أيضاً، وتالياً تحاكي الهوية المصرية التي من الصعب التعريف عنها، لكونها مكوّنة من طبقات كثيرة من التاريخ والحضارة"، بحسب رجب، مؤكداً أن "الحضارة المصرية ليست فرعونية فقط، بل لها امتدادات كثيرة"، ما دفعه إلى إنتاج سلسلة "نحن جميعاً ملوك" للربط بين الماضي والحاضر.

يحاول رجب من خلال أعماله الرقمية التي ينفذها عبر الذكاء الاصطناعي جذب الناس للنظر إلى نمط الحياة في مصر بشكل مختلف، وتجميل مفهوم "الازدحام والضجيج في شوارعنا لعلّنا نجد حلولاً لها"، بدلاً من اللجوء إلى المدن ذات "الطراز الأميركي والأوروبي"، لذلك يعبّر عن تمسّكه بجمالية المدن العربية "التي لا نراها ولا نقدّرها" إلا إذا جربنا العيش في دول أخرى.