النهار

"الشارقة القرائيّ للطفل" الـ13 تجربة مدى الحياة... ماكيت ينجزه الصّغار لـ"مكان جميل للغاية"!
جودي الأسمر
المصدر: "النهار"
"الشارقة القرائيّ للطفل" الـ13 تجربة مدى الحياة... ماكيت ينجزه الصّغار لـ"مكان جميل للغاية"!
طفلة من المعرض تحمل كتاباً.
A+   A-

انقضى 12 يوماً من الاكتشاف والتعلم والتسلية، تركت مفتوحة أبواب مهرجان "الشارقة القرائيّ للطفل" الـ13 على النداء الذي وجهته هيئة الشارقة للكتاب: "كوّن كونك!"، فالتجربة تمتلك كل المقومات التي تجعل الطفل لا ينساها، أقلّه ليس بسهولة. لم توفّر الفاعليات محفّزاً لمخيّلة الطفل والابداع وتشجيع الطفل على القراءة وتأليف القصص والمحتوى الاعلاميّ، في نجاح وثّق وتيرته التصاعديّة التي التأمت في تنسيق مدروس صديق للطفل ومزجت المتعة إلى الفائدة أيضاً للأهالي.

 

يحرر المهرجان فكرة الكتاب من المقاربة التقليدية نحو مكوّنات موازيّة أكثر شموليّة ضمّت ورشات في الاعلام، والعلوم، والتكنولوجيا، والكتابة والرياضة، والطهو، حيث شكّل الطفل مركز ومكوّن الكون الّذي شغل "إكسبو الشارقة" من 11 إلى 22 أيار، عاكساً عيّنة مصغّرة عن استراتيجيّة مستمرة تنتهجها الإمارات والشارقة خصوصاً، فهذا المهرجان هو الوحيد من نوعه حول العالم، يأتي بترجمة أمينة لأولويّة الحكومة وتعويلها على الطفل إلى حدود لا سقف لها في الرأسمال البشريّ، فـ"إذا كان يجب أن تأتي المساعدة والخلاص، فلا يمكن أن يتمّ ذلك إلا من خلال الأطفال، لأنّ الأطفال عم خالق الانسانيّة"، و"الانسان محفّز داخليّاً وطبيعيّاً لحب الاستطلاع واكتساب المعرفة"، على رأي ماريا مونتيسوري، الطبيبة والرائدة في علم نفس الطّفل ومعدّة المنهاج العالميّ، لعلّ تمثّلاته بدت الأوضح في أرجاء المهرجان: استقلالية، خيال، معلم-مدرّب، اكتشاف، تعليم عمليّ، بيئة مجهّزة.

المجيني: نوّعنا قنوات الكتاب

خلاصة مشاهداتنا أكّدتها لـ"النهار" خولة المجيني، المنسقة العامة لفعاليات مهرجان الشارقة القرائي للطفل، في قولها "نحن في إمارة الشارقة، نطبّق العديد من الاستراتيجيات الخاصة بالطفل، وتشتمل صحة الطفل وثقافته وأي مجال متعلق بمحيطه. وهذا النهج يعمّ كل دولة الإمارات، لأننا نؤمن أن الطفل هو اللبنة الأساسية للمجتمع، فنحن حين نبنيه، نحرص على ثقافته وصحته النفسية، ليقيننا بأن المعلومات التي يتلقاها أو يصدّرها هي الكافلة ببناء مجتمع صحي".

 

وتضيف، ردّاً على سؤال "نسعى دوماً إلى تحفيز مخيلة الطفل وأن نثير إبداعه. ولقد جعلنا الطين المكوّن الأساسي لكلّ الصور والمواد البصريّة الخاصّة بالمهرجان، لأنّ علاقة الطّفل بالطين فطريّة وتعزّز نوعاً أساسيّاً من ذكاءاته"، علماً أنّ "الورش لم تكن محصورة بالمدارس فهي تستهدف الأهالي والأطفال في فترات ما بعد الظهر".

وتضع المجيني تعدّدية المشارب التي شكّلت أنشطة الطفل في خانة "الوصول الى الطفل من خلال أقرب قناة إليه، فإذا نريد أن نصل إلى الطفل غير القارىء، علي أن أبحث عمّا يحب فيكون أقصر طريق للطفل نحو الكتاب".

"كوّن كونك": من النجوم والكوميكس والشعر...

تجلس الطفلة مريم (6 سنوات) على كرسيّها في ركن "ومضة" المعنيّ بالعلوم والرياضيات، منشغلة في صنع كوكبة من النجوم، وأقرانها الـ12 يفعلون المثل، ترافقهم مدرّبتان، ضمن حلقة من سلسلة متكاملة رفع لها الجناح شعار "حتّى أصعب الألغاز لها حلول سنصل إليها سويّاً".

 

ومريم الّتي لم يستعصِ عليها اكتشاف 7 أنواع من الكوكبات، اختارت منها الجوزاء، وراحت تطابق شكله مع النموذج المعروض أمامها، فيما تسترجع خصائصه "أصنعه لأنّه يمثّل الشهر الذي ولدت فيه"، هذا خيارها الذي تحترمه المدرّبة، "أعتقد أنّ النّشاط حقّق المبتغى. يكفي أن يخرج الطفل بمعلومات محدّدة لكن اكتسبها جيّداً. نحن لا نعتمد الحشو بل الاكتشاف النوعيّ". قربهما، تنهض طفلة من ذوات الهمم بابتسامة عريضة، تساعدها مدرّبة، وقد حملت بيدها الأوراق التي أنجزتها بدون أن تحول صعوباتها في النطق والمشي بينها وبين النشاط.

 

وفيما يشغل القاعة 3 استعراض راجل على وقع الطبول، اهتمت في ركن "كوميكس" مجموعة أطفال في صناعة قصص مصوّرة، حرّة المواضيع، بمساعدة المدرب سامر نعمة من "كازادو"، الذي شرَح لنا أنّ "التمرين مدّته 45 دقيقة، ونخرج من خلاله بمنتج مشترك. نصنع الشخصيّة الرئيسة، ونتخيّل الأحداث، ثم النهاية. وعلينا أوّلاً رسم الشخصيّة الرئيسة ووضعها في الشريط الأول الموجود أعلى الصفحة". تهتف الطفلة سارة "ساعدني!"، فيتجه نحوها، وتشكو له عدم قدرتها على الرسم. ترتاح لزميلتها التي ساعدتها في رسم قطة، بعدما أنجزت رسم "سوبرمان" على ورقتها. والطفلة عبير أرادت أن تجعل الشخصيّة كلّ أفراد العائلة، فيجيب المدرّب "ليس خطأ"... وبعد مرحلة الرسم، يبدأ الأطفال بالتلوين، ثم يعبّرون عن أفكارهم في خلق الأحداث، حيث نستطيع القول في العلامة الكبرى لنجاح النشاط هو أنّ الأطفال يعملون باستقلاليّة لافتة، ذللت كوابح إدراكهم وحدود الخيال.

 

أمّا الشاعر عبد الله الهدية الّذي ترأس اللجنة التحكيميّة لمسابقة "فارس الشعر"، فهو أعطى صوتاً للأطفال لا في الإلقاء فحسب، والذي تناول موضوعات تغنت بالوطن واللغة والهوية والوالدين، بل دلف إلى عوالم حميميّة في اهتمامات الطفل. سأل المشاركة فاطمة: من الصديقة الأقرب إليك؟، تجيب بدون تردّد: عنود، لأنها تكلّمني دائماً.

 

وعلى هذا المنوال، تدحرجت ثيمة المهرجان بين المكتبات التي انتقل جزء منها إلى أكياس حملها الأطفال والأهالي من جهة، وأنشطة قائمة على التقصّي والتساؤل فتحت بوابات المعرفة والخيال من جهة أخرى، فجعلت الطفل يتآلف مع الكتاب من خلال مرغّبات تتفاعل مع حواسه الخمس من كلّ حدب وصوب، بين رواية القصة، وركن للرياضة، وورش "الاعلامي الصغير" للأطفال المهتمين بالصحافة والشاشة وصناعة المحتوى، وفي ركن الطّهو تذوّق وتعلّم الأطفال صناعة المأكولات من المطابخ السورية والمتوسطية والشرقية، وركن تنمية الذات، وركن المهارات اليدويّة...

 

ولا يخفي علي البرجاوي، وهو يشارك من خلال شركته في تنظيم المهرجان، لا يخفي انبهاره بـ"الجدّيّة والطموح اللامتناهي الّذي يسم مقاربة القيّمين على الفعاليات. لقد بدأنا الاعداد للمعرض منذ شهر كانون الأوّل، ومنذ الآن نستقطب رؤية المنظمين للنسخة القادمة، فهم يجتهدون بلا انقطاع للرتقاء بشكل ومضمون المهرجان". وتعتري البرجاوي مشاعر حزينة حول تدهور الفعاليات الثقافية في بلده الأم لبنان، ويتطلع إلى اليوم الذي يستطيع الطفل اللبناني وكلّ أطفال العالم الوصول إلى فرصة تناهز المستوى المبذول في "الشارقة القرائي للطفل".

الشارقة الصديقة للطفل

يلازم زوّار من "الشارقة القرائيّ للطفل" انطباعاً بأنّهم اختبروا "ماكيت" نموذجيّاً عن إمارة "صديقة للطفل".

تعليق من جملة انطباعات، نسجّله من السيدة سلام، التي قصدت المعرض من إمارة دبي، برفقة ابنها سلطان (7 سنوات) الذي تبرّم من الانتظار أمام طابور في ركن الرياضة، فقرّر الانتقال إلى ركن التكنولوجيا.

تقول الأمّ "لا جودة تضاهي ما قدّمه المهرجان للطفل. أنا معجبة بمستوى الكتب والفاعليات والديكورات، فكل المقومات تعبّر بالفعل عن استتباب البيئة المحفزة لتنمية الطفل"، مشيدة بـ"توقيت المعرض الذي لم يتعارض مع امتحانات نهاية العام".

وفي جناح مؤسسة "ربع قرن"، يعلّق أطفال على لوح عريض قصاصات ملوّنة، بعدما امتثلوا للشعار "اغمض عينيك وتخيّل!"؛ على سبيل مئات الأوراق، نقرأ "I LOVE BOOK"، "أحبّ أن أكون لاعب كرة قدم"، وتكررت عبارة "الله يرحم الشيخ خليفة بن زايد"، وهناك من كتب "إنه مكان جميل للغاية!"، وطفلـ/ة تركـ/ت ورقة باللغة الانكليزية "لن يحبك أحد إن لم تكن جذاباً"، ممهورة برمز لوجه حزين.

 

مساحة تبدو أقرب إلى بوح بالوجع، والحلم، والامتنان... نسأل عن هدفها، فيشرح رضا عبد الملك من "ناشئة الشارقة"، وهي مؤسسة تابعة لـ"ربع قرن" التي تشكلت بتوجيه قرينة حاكم الشارقة سموّ الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، كمظلة لمؤسسات ثلاث أخرى هي أطفال الشارقة، وسجايا فتيات الشارقة، والشارقة لتطوير القدرات: "نحن نهدف لصناعة القادة والمبتكرين من أعمار 6 إلى 31 سنة، ولذلك فإنّنا نصغي جيّداً لهم، وتستلهم الشارقة سياساتها المعنيّة بالطّفولة من خلال أصوات الأطفال الذين يعبّرون بدون حواجز عن الهواجس والأمنيات. هذه الأوراق، نحتفظ بها لنقرأها واحدة تلو الأخرى، وستُقارن سياساتنا في ضوئها. الحائط المكتظ الآن علّقت عليه مئات الأوراق في الأيام السابقة".

في سياق متّصل، كان حاكم الشارقة، سمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، وجّه الثلثاء الماضي بتخصيص 2.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة بأحدث إصدارات "مهرجان الشارقة القرائي للأطفال"، إنطلاقاً من دأبه في دعم كتاب الطفل وصنّاعه وقرّائه.

 

لا شكّ في صعوبة احتواء التفاصيل عن139  دار نشر مشاركة و أكثر من 1900 فعالية تجمع المسرح مع الورش الإبداعية والعروض الفنية والجلسات الحواريّة، فضلاً عن ضيوف بين كتاب ورسامين وفنانين، أوفرهم شعبية عربياً كان الفنان محمد الهنيدي الذي التقى الأطفال في حوار شائق مرفوع الكلفة، لعلّه سطّر بيت قصيد المهرجان بقوله "أعتمد على الصغار في قياس نجاح أعمالي التي تخاطب الكبار". الطفلّ في "الشارقة القرائيّ" سر الرّاشد المثقف، الواعي المستقلّ، الّذي أثث وأسّس في المهرجان رقعة نموذجيّة تستشرف المستقبل.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium