النهار

في مهرجان البستان... موسيقى ألكسندر مالوفيف أمواج إيقاعية كشهب نار يعلو إلى السماء
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
في مهرجان البستان... موسيقى ألكسندر مالوفيف أمواج إيقاعية كشهب نار يعلو إلى السماء
ألكسندر مالوفيف في مهرجان البستان
A+   A-
دخل عازف البيانو الشهير ألكسندر مالوفيف مسرح قاعة مهرجان البستان بحضور لافت جداً لشاب مهيب ونحيف وأشقر الشعر ليشارك جمهوراً واكب عزفاً مذهلاً لبيتهوفين، ورخمانينوف، المحفورة مقطوعاتهما في ذاكرة الجمهور الحاضر هنا في ليلة لا تشبه جحيم بيروت.
 
كان مصحوباً بريبرتوار موسيقي لعازفين من جنسيات متنوّعة أمثال ألكسندر سكريبين فيلسوف الموسيقى الروسي، الموسيقار البولوني الروسي واينبرغ Mieczyslaw Weinberg، والملحّن التشيكي ليوس جاناكيك Leoš_Janáček.

أنار مالوفيف مشاعر إنسانية في هذا الزمن الرديء جداً من خلال عزفه لبيتهوفين، الذي كانت له البداية، من خلال سونيتة "ضوء القمر" بعزف ساحر بين أنامل ذلك الشاب، الذي توحّد مع البيانو فأصبحا روحين في جسد واحد.
 
 
شعرنا بأن قامة مالوفيف على المسرح المفعمة بروح شباب، مليئة بالعنفوان. كل هذا يترافق مع تمرّسه بيدين تجاريان عظمة المؤلف العبقري. هذا العازف الروسي البالغ من العمر 21 عاماً أصبح اليوم علامة فارقة في الموسيقى العالمية بعدما أذهل العالم بأدائه الموسيقي المحترف وهو لم يتعدّ الـ14 عاماً مثبتاً مهاراته في حفلات عالمية.

هذا العازف، الذي يحظى بقناة يوتيوب خاصة به مع نحو 80 ألف مشترك فيها عانى كثيراً من إلغاء حفلات عدة له في كل من كندا و فانكوفر مثلاً كموقف مناهض لحرب تشنّها روسيا على أوكرانيا.

حاول مساء الخميس أن يكون كونياً في رسالته الموسيقية، مسيطراً كلياً على البيانو كأنه يعيش معه "وحدة حال" أو توأمة.
حمل جمهوره الى زمن ما قبل الحرب، الى مرحلة أقل عنفاً إذا صحّت التسمية حاملاً معه الموسيقى كلغة سلام تسقط من خلالها الحواجز بين البشرية والضغينة في ما بينها.
حاول في عزفه أن يصالح النفوس المتعبة مع عالم بيتهوفين من خلال سونيتته "ضوء القمر".

حاول أن يبعدنا عن كوابيس يوميات هذا العالم المجنون وأن يهمس في آذاننا تلك الموسيقى إيذاناً بعودة ضوء القمر الى المدن،كبيروت، التي هجرها الفرح ونوره منذ أعوام عدة. اختار هذه السونيتة من خلال عزف منفرد للبيانو ليتفاعل مع أنامله، التي تغازل الوتر والإيقاع في عملية توأمة بين ضوء القمر ونور الحياة القادم إلينا.
 
 


سحر الموسيقى في قاعة المسرح الى رخمانينوف، الذي يحيي مهرجان البستان الدولي، ذكرى مرور 150 عاماً على ولادته، بعزفه يشبه الانخطاف الروحي الطوعي على المسرح، من خلال أداء تتجلى فيه النوتات لسونيتة بيانو رقم 2 في النغمات المتفرقة للعزف، لتتحوّل سراب طيور تتعالى نحو هذا الفضاء الواسع المدى.

يدفعك ذلك العازف العبقري خلال متابعة الموسيقى الى رسم صور شاعرية في الخيال أو حتى في الواقع، كأنها زاد جديد يعبق بالعاطفة الجيّاشة والنبيلة بين الناس، كأنها أمواج متفاعلة مع إيقاع الموسيقى كشهب نار يعلو الى السماء...

أكمل مالوفيف ريبرتواره الموسيقي مع موسيقى يحكمها الغموض لـسونيتة بيانو رقم 4 للموسيقار البولوني الروسي واينبرغ Mieczyslaw Weinberg تبعتها مقطوعة موسيقية لكل من ألكسندر سكريبين فيلسوف الموسيقى الروسي فسونيتة للموسيقار البولوني الروسي واينبرغ Mieczyslaw Weinberg، وهي محاولات ناجحة جداً أرادها مالوفيف ليأخذنا الى زمن آخر لا خوف فيه، لا حرب فيه، لا كراهية فيه.

وقف جمهور مهرجان البستان مطالباً بالمزيد من مالوفيف، الذي أعطانا من خلال عزفه أملاً بالعودة الى الحياة، بموسيقى تحوّلت قصائد فرح بالغد المشرق الآتي، حتى لو تأخّر وصوله إلينا.
 


[email protected]
Twitter:@rosettefadel


الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium