هنادي الديري
20-01-2021
"شو أكتر شي بيخوّفني؟ Tres Peu de Choses. قد أخاف من رؤية أحدهم مُضرجاً بالدماء أرضاً. غير هيك، ما في شي بيخوّفني". وعندما زارها المرض الخبيث في العام 2010، "لم أتوقف يوماً عن الذهاب إلى الجريدة. وقلائل الذين عرفوا بمرضي. مع العلم أنني كنت أخضع لجلسات علاج كيميائيّة. وتعذّبت كثيراً. وكنت أردد للذين حولي: لن أموت. السرطان لن يتمكّن من أن يتغلّب عليّ. وبصراحة شفيت منه". بعض أسئلة " ع الماشي" لسيّدة لطالما أخفت ضعفها وقوتها في آن واحد خلف الكلمات النابية التي إلتصقت بشخصيّتها الإقتحاميّة. لور غريّب، الرسّامة والناقدة والصحافيّة المُتمرّدة تقول لي بين سؤال وآخر: "تشبهينني كثيراً بإنفعالاتك وردود فعلك العنيفة. كلانا لا يعرف الكذب". تعيش اليوم بمفردها في منزل العائلة المديد الذي خرّبه إنفجار الرابع من آب. "القعدة لوحدي قاسية. ولكن لا ننسى أنني كنت أعيش مع رجل (المسرحيّ الكبير أنطوان كرباج) أمضى معظم الأوقات على خشبة المسرح. ولم أكن أرافقه. في البدايات كنت أرافقه باستمرار. ومع الوقت، ركزت على المنزل. إعتدت الحياة بمفردي. وفي كل الأحوال، الإنسان، وإن كان مُحاطاً بالآخرين، يبقى بمفرده. يواجه كل شيء بمفرده. يولد بمفرده. يموت بمفرده. ويتوه في هذه الدنيا بمفرده". لا أحد يواسي وحدتها. "أحياناً قد يتمكّن بعض الأشخاص من أن "يروحنوكي " أكثر من غيرهم. بس بالنتيجة الوحدة – وحدة". لا تعتب على أحد في هذه الدنيا، "الحياة فيها الحق والباطل. وهي قاسية أحياناً. ولا أفهم سبب هذه القسوة. من يزعجني أرميه خارج رأسي. لا أقول أن المسألة سهلة ولكنني أسيطر دائماً على الوضع". لم تندم يوماً على أي شيء. "لا أؤذي عمداً. كما أجيد الإعتذار". تواجهنا معاً على مدى 3 أيام عبر الهاتف. كانت تضحك عالياً، وترميني بكلماتها النابية التي ترعرتُ عليها في مكاتب الجريدة القديمة في شارع الحمرا. وضعت في تصرفي خبرتها في الحب – دائماً الحب. وشرّحت لي تركيبة الرجل وكيف تعاملت معه عبر السنوات. ماذا يبقى في النهاية في حياة الإنسان؟: "قلت لإبني مازن (الفنان مازن كرباج): عندما أموت، ضع في التابوت صندوقة من البيرة الباردة. أجابني: وإذا لم تكن باردة ماذا يحصل؟ قلت له: برجع بقوم! وضحكنا معاً". تضيف بهدوء، "طلبت من مازن ألا أُدفن بل أن يتم حرق جثتي فيرميني بعدها في البحر". ذكريات الصحافة التي عشقتها وعاشتها شغفاً يوميّاً، تبقى عالقة في ذهنها، "ما بروح شي. الأمور تتحوّل. وعندما أموت، سأكمل مسيرتي بالصحافة أينما ذهبت. الصحافة إلتصقت بجلدي". لو عادت بها الأيام ماذا تُغيّر؟ "أسير في الطريق نفسها. ترعرعتُ عند الراهبات. ولطالما أردت أن أكون مختلفة. وعندما كنتُ أقاصص على الشيطنة، كان القصاص أن يزيلوا عن شعري الربطة المزوزقة". الآخرون، "لا جحيم ولا تسلاية. الناس أسرار. أسرار جميلة وأخرى قبيحة. للتسلاية: عظيمين! ولكنهم لا يستطيعون تغيير أي شيء في الحياة". الخيبات غير مهمّة، "لاسيما إذا كان الشخص قويّ بطبعه، مسلّح من الداخل لكي يتمكّن من مواجهة كل المسائل. لا تتكّلي على الآخرين، وعندئذِ تكون الخيبات قليلة. أظن أنه حتى الساعة، لم أواجه الخيبات. أنا تيسة! أواجه. لا أستسلم". جريدة "النهار"؟ "الأولى والأخيرة. كان لها جزءاً كبيراً في حياتي. أكثر من 50 سنة. إيه، معلوم أكتر. بدايةً، لم أجد الكتابة في العربيّة. قال لي شوقي أبو شقرا: تعي كتبي بالفرنساوي أو بتكتبي مشقلب ومنصلّحلك. وفلّيت بعد 50 سنة من النهار وبعدهن عم بيصلّحولي". لسانها "الفلتان"؟ "تحدّيت من خلاله الآخر. قبل أن يستلمني واجهته بلساني. كنتُ أدافع عن نفسي سلفاً من خلاله. ساعدني كثيراً. ردود فعلي عنيفة. ولهذا السبب كنت أنتبه كثيراً لكي لا أصل إلى مرحلة متقدمة من العنف مع أحد". المنزل اليوم، "من غير شر فاضي". أقفلت جميع الغرف بعد إنفجار الرابع من آب. "أمضي كل نهاري في المحترف. سعادتي تبقى في الرسم. لا أشعر بالوحدة لأنني أرسم طوال اليوم. أرسم شخصيّات إبتدعتها مخيلتي. لا أرى أحدا. لا أتكلّم مع أحد، مع العلم أنني ثرثارة كبيرة. اليوم أثرثر من خلال الرسوم".
[email protected]