لور غريب
"النهار" – الكل في جريدة 2018
منذ طفولتي، وفي ايام الحرب العالمية الثانية، كنت احلم بان ارى البحر والوان الطبيعة مترجمة على اوراق بيضاء، لها سحر "صندوق الفرجة".
وكبرت، وما زلت اكتشف على جميع الصعد بصمات اللون، في الصغيرة والكبيرة، من الجماليات المصنوعة بيد البشر المسكونين بروىء بصرية فائقة الحساسية جعلتها متمكنة من خلق امكانات تغرس في اعماق مشاعرها التحوّلات الخطوطية واللونية والتأليفية والمزاجية، والتطورات الحاصلة في التيارات الفنية العالمية والمناطقية لتكوين تشكيلات تتمخطر ما بين الهيئات البشرية والاختراعات الاكثر جرأة، وتصور مرتكز على مواد مختلطة من اغرب الاشكال والتكوين والتأليف، في تجارب ووقاحة وغرابة، ومرضية احيانا، علها تمنح صاحبها تمايزه وتفرده في اكتشاف الاسلوب الافضل والاغرب، ليصب في خدمة الفنون التشكيلية في عصر يركض لبلوغ الكواكب، وهجرة واقعه الذي يعيشه منذ آلاف السنين على الارض.
اليوم، بعد كل هذه السنوات التي رافقت الاختراعات العلمية والاكتشافات المذهلة، كالسينما والتلفزيون والكمبيوتر و"السيلولير"، اصبح الحديث عن الفنون التشكيلية يجمع في طياته كل المحاولات الفنية التي تتابعت في مراقبة مجمل الاساليب القديمة وتجربتها واستعمالها لكسرها وتطويعها وتطعيمها، علّها تأخذنا الى ادغال غريبة، ان تحت البحار او في الفضاء.
في الخمسينات من القرن العشرين، كانت الاكاديمية اللبنانية وُلدت بفضل ألكسي بطرس. كان الفنان التقليدي مسترخيا، يرسم الهيئات البشرية، ويستطيع ان يرسم "الموديل" الحي.
في اواخر الخمسينات، كان الشباب الطامحون يدرسون على يد كباره فنّ الرسم الكلاسيكي الذي تعلموه في الغرب، اي في ايطاليا او اسبانيا.
في بدايات الستينات، عاد الطليعيون من الغرب. حملوا الجديد الذي ولد غداة الحرب العالمية الثانية. يومذاك، بدأت التجارب تتوسع. يعلمون الجديد. يتوزعون بين تيارات فنيّة عدة ويبرعون. وزارة التربية تقيم معارض سنوية، وتواكب المواهب الجديدة، وتمنح تشجيعا ماليا (اذكر اننا كنا نحصل على 300 ليرة لبنانية، وبالتوازن الطائفي طبعا).
▪▪▪
مع نشوء الجامعة اللبنانية وفروع الفنون التشكيلية، اصبح الفنان المعلم والسائر في توجهات فنية عالمية سارت نحو التجدد ومواكبة الفنون وتطوراتها وايقاعاتها المحلية التي تابعت اجتهاداتها، لانها اخترقت العالمية، واصبحت تشارك في المعارض العالمية، بعدما سارت في اتجاهات كبرى واختبارات صعبة ومحاولات يائسة احيانا. لكنها انتهت الى التوصل الى رؤية الناس يتوقفون امام اعمالهم في المعارض السنوية في متحف سرسق او وزارة التربية.
لن اتوقف عن الحلم الذي يرافقني دائما الا هو مشاهدة اطفال لبنان ممدّدين ارضا، في ايديهم اقلام، وفي عيونهم صور يشاهدونها في متاحف عالمية عديدة ولبنانية، حيث التحف الفنية المتحوّلة الى لون وزيح وفراغ وشكل وايحاء في لوحات معلقة وحاملة تواقيع الفنانين الذين سبقونا، وتركوا لنا آثارا تستحق الاعجاب والنقل والحفظ، لانها تحمل ابداعات تساهم في رفع اسم لبنان هنا او في متاحف عالمية دخلت اليها تواقيع مبدعينا.
قال احدهم يومًا بان "البلد الذي لا ذاكرة لديه مهدد بالزوال". ونحن ملتزمون المتابعة، وربما التجاوز، اذا عرفنا معًا ان نبني وطنًا، كما نحلم ونجرؤ.