واعدنا المغني الشاب هيغ بتروسيان بحفلتين على مسرح بيار أبو خاطر في حرم العلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف إحياء لذكرى مرور 99 عاماً على ولادة المغني العالمي شارل أزنافور، فأدّى جملة من الأغاني، بعضها من ألبومه الشهير "جازنافور".
للحفل، الذي نظّمته لجنة الاحتفالات لمئوية مدرسة "هرسيمياتس" بالتعاون مع كل من القسم الثقافي في السفارة الأرمنية في لبنان والمعهد الثقافي الفرنسي، هدفٌ نبيلٌ هو جمع تبرّعات لترميم مدرسة "هريسيمياتس" Hripsimiantz التابعة لراهبات الحبل بلا دنس للأرمن الكاثوليك، التي مرّ على إنشائها 100 عام في منطقة الفنار.
بتروسيان جاء مع فرقة من أربعة عازفين ليغنّي "أزنافوريات" على مسامع جمهور متذوّق لأغاني شارل أزنافور، الذي نجح في حياته كما في مماته بأن يجمع الناس على رسائل متعدّدة في أغانيه الحيّة في ذاكرتنا الثقافية...
تناغمت موسيقى الفرقة الصغيرة المؤلفة من غاران كوشاريان على إيقاع مميّز على الدرامز إلى دانيال ملكونيان عازف متألق على البوق، مروراً بدافيد خيودكيان بأدائه المتمايل على القيثارة، وصولاً إلى فاهان هايرابيتيان على البيانو.
يترسّخ في ذاكرة المستمع في هذا الحفل عمق العلاقة بين الجمهور الأرميني الجذور وقضاياه، ليتحوّل إلى نموذج للصمود بوجه الصعاب وقدوة للتعاضد، دعماً لقضايا أساسية في يومياته، بعد أن تشكّلت لجنة للاحتفالات بمئوية هذه المؤسّسة التعليمية الأرمينية التاريخية.
ماذا في جعبة بتروسيان؟
في الحقيقة، يعمل بتروسيان على صقل موهبته الغنائيّة بأداء أغنيات أزنافور، التي تنتمي إلى ألبومه "جازنافور" الصادر في عام 1998، لا سيّما أغنية "أحبّ باريس في شهر أيار"، التي حملنا فيها إلى مدينةٍ، وصفَ أزقتها بعد أن هجرها الشتاء وسكنتها شمس أيار، التي تداعب سقوف بيوتها القديمة لتوقظها في الصباح الباكر.... هذه الأغنية توقظ في ذاتنا ذكريات من كلّ شارع ومدينة نحبّها كبيروت؛ ذكريات لشوارع تخرجنا من الحلم إلى اليقظة، وإلى عالم يصفه أزنافور بالمجهول.
قد يبتسم القارىء إذا رآنا نقارن المدن إحداها بأخرى، لأن أزنافور روى لقاءه في هذه الأغنية بشغفه لاكتشاف مدينة باريس مشياً على الأقدام، وسط ابتسامات نسائها وازدحام شوارعها، ووسط تفكيره اللامتناهي في ما يدور وراء نوافذ هذه المباني المضيئة في مدينة رائعة هي باريس.
أما الأغنيات المتبقّية فهي متنوعة، وأتت بأداء شاب مولع بأزنافور كحالنا. تألّف الريبرتوار من 15 أغنية، منها "La Boheme"، التي استعاد فيها زمناً لم نعرفه في شارع مونمارتر، حيث عاش أزنافور حياة بوهيميّة -وما أجملها!-. فقد كشفت الأغنية ذلك الحنين إلى المكان الذي فقد اليوم ناسه، وبقيت فيه تلك الروح المتحرّرة من تقاليد المجتمع...
تميّزت الأغنيات الحبّ، لا سيما في أغنية تناولت حبّاً حكمه التمرّد، لأنه جمع أستاذة وطالباً، مع ما رافق هذا الحبّ من ضغوط اجتماعية هائلة بوجه هذا الشوق بين ثنائيّ تخطّى الحدود في المجاهرة...
لا ننسى هنا أن نشير إلى حضور وزير الثقافة محمد وسام المرتضى ورئيس جامعة القديس يوسف الأب سليم دكاش اليسوعي الحفل.
يذكر أن الحفل ترافق مع تكريمٍ لأعضاء لجنة الاحتفالات بمئويّة المدرسة، أعلنته المنسقة الإعلامية للّجنة ميرا يارميان، إذ منحت كلّاً من الرئيسة العامة لراهبات الحبل بلا دنس للأرمن الكاثوليك الأم آروسياج ساجونيان، ومديرة المدرسة الأخت ريتا زابريان، درعاً تكريميّة إلى كلّ من رئيس مجلس إدارة المدرسة مهران نجاريان، وعضو لجنة الاحتفالات الدكتور هامبيك رفايل كوريه تقديراً لعطاءاتهما...