"دعني أعيش، ودعني ابتداءً من اليوم، وبعد الذي جرى ويجري، أفكّر في لبنان أولاً... وأخيراً". هذا ما كتبه الصحافي الشهيد جبران تويني لناسه في العام 1980، ويمتد إلى جيل اليوم ومنه إلى جو شليطا مصمم الأزياء، الذي يسخّر وقته ليكون "حارس ذاكرة" لصفحة على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك والانستغرام عن تاريخ الموضة اللبنانية "Lebanese Fashion History" من خلال جمع أرشيف عن تاريخ الموضة بدءاً من زمن الفينيقيين مروراً في الحقبات كلها، وصولاً إلى موضة أوائل ثمانينيات القرن الماضي، لتصبح المرجع الوحيد لتاريخ الموضة اللبنانية وفرصة لنعكس للعالم وجه وطننا الحقيقي والتراثي العريق، حتى لو كان لبنان في مستنقع صعب اليوم أكثر من أي وقت مضى.
شليطا مدمن على أمرين: الأول الأناقة والجمال المدرجين في خانة الثقافة من خلال قوله في لقاء مع "النهار" أن "هدف هذه الصفحة أن أبرهن للعالم كله أن بلدنا هو أول عاصمة للموضة منذ التاريخ القديم، لأن أجدادنا الفينيقين ساهموا في تصدير لون الأرجوان والحرير إلى العالم ليندرج في خانة تصاميم كبار الشخصيات التاريخية في العالم القديم"، مشيراً إلى أن "ثمة درجات في لون الأرجوان منها الأحمر والأزرق وقد يصل إلى البنفسجي، وهو كان اللون المعتمد لعظمة قادة العالم سابقاً، أي لون لباس بنفسجي لكل من يوليوس قيصر والكاتب اليوناني العريق هوميروس واضع الإلياذة والأوديسه وسواهما".
أضاف: "اكتشفت أيضاً من بحوث نشرتها في هذه الصفحة، التي باتت المرجع الوحيد والأساسي لتاريخ الأزياء في العالم كله، أن الفينيقيين كانوا أول من صدّر عطراً من خشب الأرز، الذي راج في العالم القديم".
كلام مشجع جداً في زمن الغرق والإحباط المعشش في قلوبنا. يكمل قائلاً: "بقي لبنان رائداً في عالم الموضة حتى اليوم، لأن مشاهير عدة يتألقون بتصاميم أسماء علم لبنانيين، وهم بغنى عن التعريف".
من هو؟
جو شليطا هو توّاق إلى العدالة وهو الأمر الثاني الذي ينساق طوعاً إليه. قد تكون دراسة الحقوق في أوستراليا بلد منشئه، التي لم تكن يوماً مهنته، قد ساهمت في جعله تواقاً لكشف الحقائق وإنصاف عظمة وطنه وتاريخ أجداده.
شليطا هو وجه لبنان الحقيقي. حاز على تنويه المصمم العالمي إيلي صعب عضو مجلس التحكيم في برنامج "ميشان فاشن" على قناة "أم بي سي".
شليطا، الذي يتألق بتصاميمه لوجوه عدة على رأسهم الفنانة القديرة هبه طوجي بفستان بنى اللون فضفاض من خصره والممتد على خشبة المسرح كله خلال أدائها أغنية "لا بداية ولا نهاية" في إفتتاح مهرجانات البترون الدولية في صيف 2014 ومشاهير سينما عديدون كالمغنية البريطانية ميلين غلاس والوجه الإعلامي الشهير الحائز على جوائز عالمية في أوستراليا والعالم ميشيل بريدج وسواهما.
شليطا يعيش بعد الإنفجار الدرامي في 4 آب 2020 في أبو ظبي ليكون قريباً من وطنه الأم لبنان، لأنه رأى نفسه ملزماً بالابتعاد بعد مأساة الانفجار إنصافاً لعائلته. هو لبناني الجذور ولد في أوستراليا ودرس تصميم الأزياء فيها بعد أن شبّ هناك على شغف والدته بالأزياء حيث كان يواكبها وهي تشتري قماشاً لتصميمه بذوق مرهف وغير اعتيادي.
إمتد هذا الذوق غير الاعتيادي إلى مشاركته في برنامج "ميشان فاشن" مع شقيقه مايكل من خلال تقديم أزياء "مطعّمة" بأسلوب "فنتاج" معاصر يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، أي استخدام قماش سميك غير اعتيادي في التصميم وما شابه، ما لاقى تقدير المصمم العالمي إيلي صعب كونه كان عضواً في لجنة التحكيم في هذا البرنامج. وقال: "طلب مني شخصياً أن أعمل معه في مشغلي العريق، وهذا ما بادرته به مدة قبل عودتي إلى أوستراليا لمدة محدودة".
مغامرة شيقة
كيف بدأ جمع هذا الأرشيف؟ أجاب: "إنني أصبو إلى إعداد كتاب عن الموضة وهو في طور الإعداد".
وأردف:"أريد من خلال الثقافة أن أقاوم الوضع الحالي في وطني لبنان. لذلك رصدت صوراً ومعلومات عن مجد الأزياء في الحياة العامة والفنون كما الحال في أزياء مهرجانات بعلبك مثلاً، وأزياء السيدة فيروز ومسرح روميو لحود والسيدة صباح وسواها، إضافة إلى سفري إلى إيطاليا لجمع صور فوتوغرافية وإجراء حوار مع أندره عاقوري أول عارضة عالمية انطلقت من لبنان في ستينيات القرن الماضي، حيث كانت تتألق خلال العروض بفساتين لمصممين عالميين مثل ديور، نينا ريتشي، بلمان.
وأوضح: "حصلت أيضاً على أرشيف منى روس وهي من وجوه مرموقة لعرض الأزياء لمصممي أزياء عالميين في سبعينيات القرن الماضي وجمعت أرشيف مدام رئيفة صالحة وجان كاستيه "السابق لعصره"، إضافة إلى تعاون مميز مع السيدة لارا حافظ مديرة التسويق في كازينو لبنان، التي أتاحت لي الاطلاع على أرشيف الكازينو، إضافة إلى شكري الكبير لتسهيل المهام نفسها مع طيران الشرق الأوسط".
المستقبل
ما هو المستقبل؟ أشار إلى أنني "أعمل على تصميم مجموعة من الأزياء التاريخية والفلكلورية للبنان صالحة لعرضها في متحف خاص للموضة في لبنان، مع توقي إلى أن أجول بهذه المجموعة في العالم لنبرز من خلالها عراقة وطننا".
تابع: "أبدى رواد مواقع التواصل الاجتماعي في هذه الصفحة، ومنهم من لديهم في مجموعتهم فساتين من مصممين كبار مثل إدوار شويتر، ويليم خوري، مدام رئيفة صالحة، جان كاستيا وسواهم، رغبتهم في المشاركة بهذه التصاميم في أي معرض أنظمه لرفع إسم لبنان".
ماذا بعد؟ تكبر مشاريع شليطا مع توسع أرشيف هذه الصفحة "من خلال البحث مع جامعة لبنانية في إعداد حصة عن الموضة، إضافة إلى اعتباري مرجعاً للموضة لبعض الطلاب، الذين يعدون بحوثهم عن الموضة".
لفت إلى أنه "تم إختياري من مجموعة كبيرة لنيل منحة متواضعة من فرنسا تقديراً لمن يحاول المحافظة على إرث وطنه، والتي رصدتها لشراء أرشيف مجلة فوغ في الستينيات، كونه كان يتابع عالم الموضة في تلك الفترة في لبنان. كما أنني في طور الانطلاق من خلال هذه الصفحة في تعليم بعض الحصص عن الموضة في بعض المدارس في أبو ظبي وأعدّ تعاوناً مع إذاعة عن تاريخ الموضة في أميركا.
ماذا كان يتمنى؟ أجاب بعفوية قائلاً: "كنت أتمنى لو أطلت ملكة جمال لبنان ياسمينا زيتون في تصميم فلكلوري لبناني "متألقة" بالطنطور على رأسها في مسابقة ملكة جمال الكون"
[email protected]
Twitter:@rosettefadel