النهار

السّنكسار الصوفي في كتاب "365 يوماً مع كمال جنبلاط" للدكتورة نازك أبو علوان عابد
المصدر: "النهار"
السّنكسار الصوفي في كتاب "365 يوماً مع كمال جنبلاط" للدكتورة نازك أبو علوان عابد
غلاف الكتاب.
A+   A-
يوسف طراد
 
عام من دون تاريخ، لا يرتحل من الوجدان، تتخلّله هدأة النور المكين. وثّقته الدكتورة نازك عابد في كتاب "365 يوماً مع كمال جنبلاط"، فأرفدت الإنسان رشاد النقاء وبصائر الجمال، مزدهيّة من مبسم الروح نُهى لذّة لا ألم فيها، وتُقى الرِوى يغرف العسجد من أفئدة الوجود.
 
هل صدفة، أنّ كلّ نصٍ من هذا الكتاب، يطابق معنى نصٍ من كتاب (السّنكسار) الّذي هو عبارة عن سيرة حياة القدّيسين؟ أو أنّ الصوفيّة عند القدّيسين والشعراء والكتّاب، تتطابق لترتقي إلى معاني الأديان التوحيديّة الإسلاميّة والمسيحيّة؟
 
إنّ جميع نصوص هذا الكتاب، قد وردت تحت تواريخ متتالية لأيّام السنة، وقد عملت عابد من خلاله، على إيصال الفكر الصوفي عند كمال جنبلاط إلى القارئ. وجاءت هذه النصوص مطابقة بمعناها وهدفها، لمعنى حياة واستشهاد كلّ قدّيس تزامن عيده مع كلّ نص حسب التاريخ الّذي كُتب تحته، وطابق تدوينه مع نصوص (السّنكسار) الّذي تكلّم عن حياة القدّيسين على مدى 365 يوم. وهذه نماذج عن هذا التطابق على سبيل المثال لا الحصر:
 
1 كانون الثاني
تكلّمت نازك عابد عن الحقيقة في صوفيّة كمال جنبلاط "إنّ الحقيقة -أي حقيقة الوجود- هي التي يسمّونها الله" (صفحة 8). يتزامن هذا التاريخ مع عيد ختانة السيد المسيح، رغم أنّه لم يكن بحاجة إلى الختانة، لكنّه إختتن ليظهر حقيقة الإنسان الّذي هو بحاجة لقطع شهوة النجاسة، ليس من العضو المختون فقط بل من القلب والأذن والفم، ليكون طاهراً من خارج وداخل. وبذا يصبح مدركاً للحقيقة، فهل أنّ ماهيّة صوفيّة كمال جنبلاط في مسيرته حباً بالله، تصبّ في هذا المنحى؟
 
2 كانون الثاني
أضاءت الكاتبة طريق التوصّل إلى الله من عتبة فكر كمال جنبلاط: "عبر المعرفة الواعية نتوصّل إلى الله" (صفحة 9). هذا اليوم، هو عيد تذكار القدّيس (سلفستروس) الأوّل بابا روما الّذي ارتقى السدّة البطرسيّة عام 314 للميلاد، في ايّام الملك قسطنطين الكبير الّذي تحوّل إلى عبادة الله الواحد، وتعمّد على يد هذا القدّيس، وكان وراء معرفته الواعية ليتوّصل إلى الله.
 
2 شباط
تقول عابد في الصفحة 40: "إنّ الّذين أصابتهم لعنة هذه الأرض منذ ثلاثة آلاف سنة حتى اليوم، هم الّذين سيبدّلون أنظمة هذه الأرض وروحيتها، سيبدّلون اللعنة بالرحمة، والمجافاة بالأخوة والحنان". إنّ الثاني من شهر شباط، هو عيد دخول المسيح إلى الهيكل، حسب الطقس الكنسيّ المارونيّ. وفيه تمّ لقاء العهد القديم بالعهد الجديد، أو لقاء الإنسان القديم بالإنسان الجديد، وقد انجلى معنى هذا اللقاء، عن إلتقاء الشريعة والناموس بالنعمة، عندما حمل سمعان الكاهن الطفل يسوع. فاللعنة التي أصابت الكاهن شاوول الطرطوسي، سليل كهنة اليهود الّذي تصارعت داخله الشريعة مع نعمة الإيمان، تحوّلت إلى نور في قلبه وعقله، وأصبح رسول الله الواحد الأحد، ومرشد الكنيسة الأسطوري. فكان التبدّل الّذي تكلّمت عنه المؤلّفة داخله.
 
9 شباط
جاء في الصّفحة 47 من الكتاب: "دور المسيحيّة في العالم بأسره، هو تمسّك أصيل بالمبادئ الإنسانيّة الثوريّة التي تتشخّص في حياة المسيح واستشهاده". يحتفل المسيحيون في 9 شباط بعيد القدّيس الناسك الشهيد مارون الّذي يُنسب المسيحيون الموارنة إليه. وقد عاش وحيداً في البريّة، على قمّة جبل، محوّلاً معبداً وثنياً إلى مكان لعبادة الله. وأعطى بعداً روحياً لتضحية السيد المسيح موتاً على الصليب، من أجل البشريّة.
 
16 آذار
أمّا في الصّفحة 83، تحت هذا التاريخ، وهو ذكرى استشهاد الأستاذ كمال جنبلاط الّذي جاهر بوطنيته، فقد ورد: "إنّ معموديّة الدم أضحت مرتكز انطلاق في نفوسنا لشعور أكمل ولنضال أتم، والنصر لمن تجلّت في ذاته وفي مجريات حياته مظاهر هذه المعموديّة". يتزامن هذا التاريخ من السّنة، بتذكار القدّيس باباس الشهيد الّذي جاهر في يوم من أيّام سنة 381م، بأنّه مسيحيّ ويعبد الله الواحد أمام (أنيوس) والي ليكوانيّة. فأمر بجلده جلداً عنيفاً، ثم مزّقوه بأظافر من حديد، وكان يشكر الربّ على نعمة الاستشهاد في سبيل محبّته، ومن ثمّ علّقوه على شجرة وكانت غير مثمرة، فصارت تثمر بعد أن عُلّق عليها القدّيس. وكان شعوره أكمل، وتمّ نضاله، وتجلّت في ذاته معموديّته.
 
فما من شهيد سقط على أرض لبنان إلّا وكان مرتكز انطلاق لاستمرار الوطنيّة في النفوس. رحم الربّ الشهيد الأستاذ كمال جنبلاط وجميع الّذين سقطوا من أجل لبنان كالمفتي حسن خالد، ورفيق الحريري، وسمير قصير، وجبران التويني، وبيار الجميل، وأنطوان غانم، ووسام الحسن، ومحمد شطح... فستثمر هذه الشجرة ثماراً لذيذة بعد ربيع لبنان الموعود.
 
25 آذار
في هذا التاريخ، يقع عيد البشارة الّذي هو عيد التجسّد الإلهي، حسب الطقس المسيحيّ. وقد تلخّص معنى هذا العيد بما تعنيه الكنيسة في دستورها (قانون الإيمان): "إله حقّ من إله حقّ، مولود غير مخلوق".
ورد في الصّفحة 92 من الكتاب: "التيّار الحي وحدة لا تتجزأ، فكلّ كائن حي يصير ما تبغيه منه الحياة". وهذا الكلام يجسّد معاني عيد البشارة في إنبثاق الحياة الروحيّة من عند الربّ.
 
6 آب
تحت هذا التاريخ، وبعنوان: "بناء مجتمع متكامل" كتبت نازك عابد: "من صميم معركة النفس السّيطرة على النفس، ومعركة الجسد السيطرة على الجسد، ومن لا يكون قائداً لنفسه لا يصح له أن يقود الجماعة"، (صفحة 226). هل هذا الكلام مشابهٌ لمعاني عيد التجلّي الّذي يقع في هذا اليوم، ولطبيعة النور غير المخلوق الّذي شعّ من الرّب يسوع في هذا العيد؟ فهو لم يكن إلّا طبيعته الإلهيّة نفسها. هو الّذي جمع في شخصه الطبيعة الإلهيّة الكاملة والطبيعة الإنسانيّة الكاملة، فهو إله كامل وإنسان كامل.
 
14 أيلول
جاء في تاريخ 14 أيلول من كتاب 365 يوماً مع كمال جنبلاط، تحت عنوان (التحدّي): "لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون تحدّ لأنّ تركيب نفسيّته الجدلي يقضي بذلك، ومتى غابت عن المجتمع فكرة الدين، وتعبّد كلّ حقيقة وجمال، تقلّصت مفاهيم الأخلاق والحبّ والشرف الأصيل... تضاءل حافز التحدّي"، (صفحة 265). يتزامن هذا التاريخ مع عيد ارتفاع الصّليب لدى الطوائف المسيحيّة. وقد تحدّى الأمبراطور قسطنطين خصمه الوثني مكسانس سنة 312 بإشارة الصليب على ملابس جنوده وانتصر بالحرب.
 
25 كانون الأوّل
إذا كان عيد البشارة الواقع في 25 آذار، يُعتبر عيد التجسّد الإلهي، فعيد الميلاد يعتبر عيد الظهور الإلهي. فقد كتبت عابد تحت هذا التاريخ بعنوان (ولادة الطفل): "وهل التوحيد سوى إدراك ما يخفى ويحتجب ويفوت على الّذين تواروا ودفنوا في بلقع حواسهم، وتلافيف جسدهم وفكرهم، ولد الطفل في بيت لحم من أمّ عذراء هي رمز الطبيعة ذاتها، هل يولد الإنسان بالحقيقة إلّا من رحم كائن القادر؟".
مزجت نازك عابد خلال 365 يوماً، المفاهيم الدينيّة بالمفاهيم العقليّة المجرّدة، لتصبح هذه المفاهيم مبلورة للفكر الصوفي في روحيّة كتابات كمال جنبلاط.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium