صدر قبل يومين كتاب جديد للكاتبة Edith Bruck بعنوان Sono Francesco أو "أنا فرنسيس". جاء هذا العمل ثمرة تأملات وُلدت في ذهن المؤلفة بعد الزيارة التي تلقتها من البابا فرنسيس في شباط من العام الماضي. يُفتتح الكتاب بتوطئة بقلم البابا سلط فيها الضوء على شخصية هذه المرأة التي تتمتع بقوة كبيرة وعرفت كيف تنقل نقاط النور التي وجدتها في حياتها على الرغم من المعاناة التي اختبرتها.
تحدث البابا فرنسيس في البداية عن المقابلة التي أجرتها صحيفة "أوسيفاتوريه رومانو" الفاتيكانية مع بروك ونُشرت في السادس والعشرين من كانون الثاني ٢٠٢١، عشية إحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست، وكتب أنه تأثر جداً "بالقوة الهادئة والنيّرة" التي تتمتع بها هذه المرأة، إذ تمكنت من إيجاد نقاط من النور في حياتها في إحدى أحلك مراحل التاريخ البشري، ونقلتها إلى الناس من خلال أعمالها الأدبية. بعدها أوضح البابا أنه بعد قراءته المقابلة طلب من مدير الصحيفة أندريا موندا أن ينظم له لقاء مع السيدة بروك. وبعد أقل من شهر قام بزيارتها في بيتها الكائن في وسط روما، وكانت زيارة مؤثرة لكليهما.
تابع البابا توطئة الكتاب لافتا إلى أن السيدة بروك شاءت اليوم أن تتحدث عن المشاعر النابعة من ذلك اللقاء من خلال هذا المجلد الجديد، معربا عن امتنانه لذلك، خصوصا وأن العمل يتضمن خبرة من الصعب جدا أن تُنقل إلى الآخرين. وأضاف فرنسيس أنه فور خروجه من المصعد استقبلته السيدة بروك عند باب شقتها بصمت، لأن التأثر منعها من الكلام. وشكرته وهي تبكي على الزيارة، فيما شكرها بدوره على الشهادة التي قدمتها على مر السنين. ولفت البابا إلى أنها تشكل ذكرى حية، وقد وجد أمامه امرأة مسنة جداً، في التسعين من العمر، لكنها تتمتع بقوة لم تمنعها من البكاء، وجد أمامه ذكرى حية، تجسدت في هذه المرأة.
ثم لفت البابا إلى أن السيدة بروك استقبلته في غرفة الجلوس، مع أهلها المقربين، وأمضى فترة يتناول مع الجميع أطراف الحديث، وتم التطرق إلى "نقاط النور" التي تناولتها في كتبها، بالإضافة إلى مسائل أخرى شأن أوضاع المسنين، والخبرة التي عاشتها مع زوجها ، المصاب بمرض ألزهايمر منذ زمن طويل.
بعدها كتب البابا فرنسيس أنه التقى بالسيدة بروك في مناسبات أخرى، وقد زارته في مقر إقامته في الفاتيكان، ببيت القديسة مارتا، لكن اللقاء تزامن مع تغيّرات بدأ العالم يشهدها خصوصا مع رياح حرب جديدة تعصف اليوم بأوروبا. ولفت إلى أن الضيفة جاءت برفقة سيدة أوكرانية تعتني بها تُدعى أولغا، مضيفا أنه تطرق معهما إلى الأوضاع التي كانت سائدة على الحدود الأوكرانية الروسية. وشدد الحبر الأعظم على ضرورة ألا ننسى الذاكرة، مشيرة إلى الحاجة لأشخاص يبقونها حية ويبقون الشعلة متّقدة، من خلال وجودهم فحسب. وكتب أن إيديث وأولغا أحضرتا خبزاً من صنعهما، ما يعيد إلى الذاكرة "الخبز الضائع" للأمهات الذي تحدثت عنه الكاتبة في مؤلفاتها. وأكد فرنسيس أن الأمل لا يموت أبداً، وما لبث يفاجئنا. وهذا الأمل يسير معاً برفقة الإيمان والمحبة. ولفت إلى أنه أكل الخبز مع ضيفتيه معتبرا أنه باستطاعة البشرية أن تبدأ من جديد بهذه الطريقة، انطلاقاً من أبسط الأمور كتقاسم لقمة العيش.
في ختام توطئة الكتاب أكد البابا فرنسيس أن البشرية هشة، ويمكن أن تنكسر في أي لحظة، لكن أحياناً نلتقي بأشخاص يتمتعون بموارد لم تخطر على البال، وبقوة لا نعرف من أين يستمدونها، وتتخطى كل العراقيل وتسمح لنا بأن نبقى بشرا. ولفت البابا إلى أن كتاب "أنا فرنسيس" يشكل محاولة لسرد هذا اللقاء، الذي أعطاه قوة وأملا كبيرين، وشعورا بالامتنان والثقة، متمنيا أن تخالج القارئ المشاعر نفسها.