النهار

عام على حرب أوكرانيا: ما بين حماية الإرث الأوكرانيّ والهجوم الغربيّ على الثقافة الروسيّة
رنا حيدر
المصدر: "النهار"
عام على حرب أوكرانيا: ما بين حماية الإرث الأوكرانيّ والهجوم الغربيّ على الثقافة الروسيّة
الدمار في أوكرانيا (نيويورك تايمز).
A+   A-
يمّر عام على محاولة الاتحاد السوفياتي السابق إحياء نفسه في معركة الهوايات القاتلة، في حين تعتبر روسيا أنّ أوكرانيا تدور حول فلكها. برز في هذه المواجهات محاولة نسف إرث تاريخي ثقافي يعود إلى أوكرانيا من جهة، ومحاولة عزل ثقافة روسية من جهة أخرى اذ تُكبّد أدباءها التداعيات. 
كان للحرب تداعيات كارثية على المستوى الثقافي في أوكرانيا، إذ أعلن وزير الثقافة وسياسة الإعلام في أوكرانيا سابقاً، أولكسندر تكاتشينكو، أن الهجمات الروسيّة على بلاده أدّت إلى تدمير أكثر من 1200 قطعة تتبع للإرث الثقافي الأوكراني، بما في ذلك أكثر من 500 معلم ثقافي. وكانت وكالة الأنباء الأوكرانية "يوكينفورم" قد نقلت عن تكاتشينكو تأكيده أنّ بلاده منخرطة في مناقشة عمليّة إعادة ترميم البنية التحتية الثقافية والقطع المتضرّرة مع الشركاء الأوروبيين، مشيراً إلى أنّه منذ بداية العملية العسكرية الروسية ضدّ أوكرانيا جرى نقل أكثر من 200 ألف قطعة متعلّقة بتراث البلاد إلى أماكن آمنة.

قد تكون تكلفة جزءٍ من الحرب تدمير إرث بلد ثقافياً وكلّ ما يرمز إلى معتقداته وعقائده الفكرية، من هنا، تحاول روسيا تدفيع أوكرانيا ثمن هذا الجانب غالياً، لكن في الوقت نفسه، تعرّض امتداد الثقافة الروسية إلى محاولة لجم، خصوصاً في البلاد الغربية. وبالتالي، يُطرح السؤال عن تداعيات الحرب الأوكرانية-الروسية على ثقافة البلدين؟

حماية الإرث الأوكرانيّ
في تحليل تداعيات الحرب الثقافية، اعتبرت الجريدة الفرنسية "لو ديفوار" " أنّه "لأيّ شخص في موقع السلطة إمكانيّة التحكّم بالقطاع الثقافيّ" وهذا الادّعاء يطبّق بشكل واضح في محاولة رئيس روسيا فلاديمير بوتين نسف التاريخ الأوكراني، من خلال قصف المواقع التراثية بحسب تقرير  "نيويورك تايمز"، التي كانت قد أرسلت الصحافي سافر جيسون فاراجو إلى كييف ولفيف والعديد من المدن المتضرّرة لكشف تأثير الحرب على الثقافة الأوكرانية.


(نيويورك تايمز)

وجاء في تقريره أنّ "المخاطر على الثقافة الأوكرانية هي أكثر من مجرّد أضرار جانبية، حيث يعتبر فلاديمير بوتين أن لا وجود أساساً لأوكرانيا، ويؤكد أن أوكرانيا هي خيال سوفييتي، وأن اللغة الأوكرانية هي لهجة روسية، وأنّ الروس والأوكرانيين "شعب واحد". وهكذا منذ العام 2014، حين بدأت الحرب لأوّل مرّة في شرق أوكرانيا - كانت المظاهر الثقافية لاستقلال أوكرانيا في الواجهة."

وأضاف التقرير: "تحاول روسيا نسف الهوية الوطنية لأوكرانيا، لكنّ الموسيقى والأدب والأفلام والآثار في هذا البلد ليست استجماماً، إنّها ساحات معارك. الحرب الثقافية الحقيقية في عصرنا هي الحرب من أجل الديمقراطية، وأصبحت الثقافة الأوكرانية، في الماضي والحاضر، خطّ دفاع حيويّاً للنظام الليبرالي بأكمله".

وكشف أنّ القوات الروسية حاولت في الأراضي المحتلة في مناطق لوهانسك ودونيتسك وتشيرنيهيف وسومي تدمير الأدب الأوكرانيّ وكتب التاريخ المدرسية في المكتبات.

لكن بالرغم من تدمير دار أوبرا خاركيف ومسرح دونيتسك الأكاديميّ الإقليميّ للدراما في ماريوبول، تمكّن الشعب الأوكراني من الاستمرار بنشر ثقافته، فعادت الحياة في أوبرا كييف، في محاولة لإعادة الروح الثقافية.


(أوبرا كييف خلال الحرب، "نيويورك تايمز")

من جهة أخرى، كان للحرب تداعيات جسيمة على الثقافة الروسية، خاصةً في ما يخصّ تاريخها الأدبي العريق، اذ حاول الغرب تسيير هجمة ممنهجة بوجه الثقافة الروسية وصولاً إلى دوستويفسكي، فكيف تُترجم هذه المحاولة بحسب الجهة الروسية؟

الهجوم الغربيّ على الثقافة الروسيّة
كشفت الجريدة الروسية "فزغلاد" في تقرير لها تحت عنوان "العملية العسكرية الخاصّة وتغيّر الثقافة الروسية، عن حقيقة تأثير الحرب في أوكرانيا على الحياة الثقافية داخل روسيا، وتشرح كيف فشل الغرب في تشويه صورة روسيا الثقافيّة، وتقول: "مع بداية العملية العسكرية الخاصة، حاول الغرب وضع الثقافة الروسية تحت الحصار، حيث كانت المؤسسات الثقافية الكبيرة أوّل من تأثّر به في روسيا، وكانت أنشطتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجمهور الغربي -مثل مسرح البولشوي ومسرح مارينسكي. كما تمّ إلغاء الجولات والحفلات الموسيقية، وإقفال الجناح الروسي في بينالي البندقية، ناهيك عن طلب العديد من الفنانين الروس العاملين في الخارج التنديد علناً بأفعال بلدهم، وكان قد صرّح وزير الثقافة البولنديّ بيوتر غلينسكي أنّ "الآن ليس وقت الباليه الروسيّ، وليس أفضل موسم لتشيخوف وحتّى بوشكين."
 

(مسرح البولشوي)

وتضيف الكاتبة الروسية أولغا أندريفا: "كانت الأمور أسوأ بالنسبة إلى توزيع أفلامنا حيث أعلنت مدينة كان والبندقية وبرلين بالفعل أنّ الطريق أمام السينما الروسية الحديثة لمهرجاناتها مفتوح. لكنّ الجمهور الروسيّ كان معزولاً تماماً عن واردات الأفلام الغربية. وألغت استوديوهات هوليوود ومنصّات البثّ عروضها الأولى في روسيا، كما فقدت المنصّات حقوق العديد من الأفلام التي تمّ شراؤها بالفعل".

وتجدر الإشارة إلى أنّه "بعد اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، أعلنت جامعة بيكوكا في ميلانو-إيطاليا، إلغاء سلسلة محاضرات فيها عن أدب فيودور دوستويفسكي، والتي كانت مقرّرة ضمن إحدى الدورات التي تقدّمها الجامعة للطلاب، وأجّجت هذه الواقعة عاصفة كبرى من الانتقادات داخل إيطاليا وخارجها حول العالم، حيث حذّر العديد من رواد الشبكات والمنصّات الاجتماعيّة، من أن تنعكس أجواء الحرب في أوكرانيا وما خلفته من توترات سياسية على ميادين الثقافة والأدب والفكر.


(فيودور دوستويفسكي)

وقال المنتقدون إنّه لا ينبغي التعاطي مع الثقافة وفق منطق القطيعة والتحريم والتجريم على خلفيّات سياسيّة وقوميّة ومصلحيّة، ومن هنا تُطرح معضلة جديدة: هل يجب محاسبة الثقافة لمجرّد قرارات سياسيّة يتّخذها الحكّام؟


اقرأ في النهار Premium