في زمن الجحيم القاتل، جاء المهرجان الدولي للتانغو 2022 بنسخته السابعة من بيروت الى جبيل "سترة نجاة" من شِباك الموت المرميّة علينا.
تمارين الرقص مستمرّة اليوم في جبيل. لنبدأ رجاءً. البرنامج صارم وواضح وجدّي. الكلّ مستعدّ لمتابعة الورش التدريبيّة في المرحلة الأخيرة من فاعليّات المهرجان.
الموعد ثابت، يومي الجمعة والسبت الماضيين، واليوم الأحد. قمر جبيل يضيء العرض الراقص لهذين اليومين في ساحة "اليونيسكو" في قلب المدينة الأثريّ، ليعكس المشاركون من 20 بلداً من خلاله كلّ ما اكتسبته الروح وأنعشه الجسد من تمارين تُظهر الروعة الموجودة في رقص التانغو الأرجنتينيّ.
التمارين للجميع، للمبتدئين، للمرحلة المتوسّطة في الرقص، وصولاً الى المستوى المتقدّم من التانغو الأرجنتيني بكلّ مستوياته.
جميلة رقصة التانغو ومثيرة جدّاً. هي تجمع اثنين، توحّدهما من خلال قواعد الرقص المفعمة بالعاطفة، وأسلوب التواصل بين الثنائيّ مشبع بالموسيقى وحركة تجاه الآخر.
الافتتاح
لا شكّ أنّ المهرجان بجهود منظمه الكوريغرافي مازن كيوان ودعم السفارة الأرجنتينية في لبنان وسفيرها موريسو آليس، انطلق الخميس الماضي بحفل رسميّ في صالة الميوزيك هول في وسط بيروت.
عنوان المهرجان يعنينا في الصميم، لأنّه يثير الولادة من جديد، أي العودة إلى الحياة من خلال الرقص، أي التانغو الارجنتيني.
الصالة غصّت بمحبّي هذا الرقص مع تمايز الثنائيّ التركي الفرنسي أشرف تاكينالب وفانيسا غوش، والثنائيّ الألماني - الفرنسي دانيال داريوس وفاليري أونيس، والثنائي الكولومبي سيزار برند وإليزابيث كانو، في وصلات رقص كان فيها الرجال على حلبة الرقص مرتدين بذّات رسمية أنيقة، فيما النساء التزمن قواعد اللباس، أي الفستان المشقوق على جنبه والحذاء بالكعب العالي.
يبدأ الثنائيّ المحترف الرقص جنباً الى جنب، بإحساس الراقصين المحترفين المرهف خلال لوحات الرقص، والذين يتابعون ورش التدريب مع تلامذتهم.
كلّ شيء بدا رائعاً لولا سقوط الثنائيّ الألماني - الفرنسي دانيال داريوس وفاليري أونيس من المجموعة المحترفة، على حلبة الرقص وتحديداً في ختام لوحة الرقص، ما أثار بعض الانزعاج بين كلّ من الثنائيّ والحضور طبعاً.
شهدت خشبة المسرح الكثير من المحطات المضيئة والمحترفة جدّاً من فرقة موسيقية مخضرمة تمايزت بأداء كلّ من عازف البيانو المتألّق جدّاً روجيه حلو، وعازف الكمان المميّز جداً ماريو الراعي وأعضاء الفرقة الغربية، التي سجّل فيها حضور مميز لعازف العود اللبناني زياد سحّاب، الذي أدّى مع العازفين المقطوعة الموسيقية " ليبرتانغو"، التي وضعها مؤلف التانغو آستور بيازولا.
استطاع بنوتة شرقية على عوده أن يزيد نقلة نوعية جديدة على هذه الموسيقى، تضاف إلى مزج مؤلف هذه القطعة الموسيقية عناصرَ من موسيقى الجاز والموسيقى الكلاسيكية الممزوجة بموسيقى التانغو التقليدية.
ما الهدف؟ هو دليل على التنوّع الثقافيّ في لبنان، وتقريب المسافة بين الشرق والغرب، وضرورة التمسّك بالهوية التعدّدية والثقافية للبنان.
كان صوت العود يتزاوج مع إيقاع الموسيقى الغربية كأنّها دعوة إلى تناغم الحواس وتداخلها في العالم الأبديّ للموسيقى.
سُجّل خلال هذه السهرة إرباك واضح في إدارة الإضاءة على المسرح وحسن توزيعها، ما قلّص أحياناً من قيمة العمل في حدّ ذاته.
سُجّل أيضاً صوت لافت للمغنّي الأرجنتيني الشهير هرنان جينوفيزه، الذي غنّى لبيروت المجروحة معلناً حبّه لها بكلمة واحدة بيروت أنا أحبك... أعطى من ذاته في أغانٍ أرجنتينيّة مفعمة بالحكايات والمشاعر والقصص والحبّ الآتي من بعيد...
كان في السهرة ضيفة شرف هي المغنّية اللبنانيّة ريم الشريف، بصوتها الساحر، حيث أدّت أغنية "أعطني الناي" للنبي جبران.
أعادت بإطلالتها المميّزة الشوق الى شياكة الزمن الجميل بالصوت والإحساس، وحتّى في رقص التانغو مع منظّم المهرجان الكوريغراف مازن كيوان، حيث أدّيا لوحة راقصة محترفة جمع فيها الثنائيّ مجد لغة الجسد بكلّ ما للكلمة من معنى.
استكمل حضور الشريف بغنائها مع المغنّي الأرجنتيني الشهير هرنان جينوفيزه رائعة جبران "أعطني الناي وغنّي". كان لأدائهما طعم آخر له سحره الخاصّ...
[email protected]
Twitter:@rosettefadel