لا يختلف اثنان على أن ضجيج الثقافة أعطى دفعاً لبعض اللبنانيين القاطنين في العاصمة أكثر مما أعطى لسكان ضواحيها، رغم أننا على يقين أن أسماء لامعة جداً في الثقافة هي في حركة مكوكية بين لبنان والخارج في محاولة لكسب فرص العمل والعيش خارج حدود هذا الوطن.
الثقافة ووزيرها
إذا شئنا التحدث عن حصاد هذه السنة، فلا بد أن نعرّج على وزارة الثقافة، التي كان من الجيّد أن تضع خطة طوارئ ثقافية في بلد منكوب من خلال اجتماعها مع مكونات ثقافية في البلد للتنسيق بينها في مواعيد حفلاتها أو المبادرة في مشروع جماعي مع بعض مكونات ثقافية محددة، مع العلم أننا ندرك تماماً ان موزانة الوزارة المتواضعة جداً لا تساهم في إطلاق أي مشروع.
أما وزير الثقافة محمد وسام المرتضى، الذي نحترم، فقد يحتاج الى تجاوز النمط الكلاسيكي والتقليدي الممل بدعوته ببطاقة رسمية تقليدية من وفد يقصد مكتبه لدعوته لحفل محدد لأن الزمن تخطى هذا التقليد الكلاسيكي في التواصل بين وزير الثقافة والناس في البلدان المتحضرة.
متابعة ريبرتوار مجاني في إحدى حفلات مهرجان "بيروت ترنم" مثلاً لكبار الموسيقيين أمثال باخ، شوبان و بيتهوفين وسواهم تسقط من خلالها كل الألقاب لأننا كلنا سنكون في حضرة عمالقة خالدين.
رغم جهوده في متابعة مشاريع عدة خاصة بمتحف جبران في بشري، و مسرح قصر البيكاديلي وسواها، فمن الواضح أن للوزير المرتضى أولويات في أجندته، منها تلبية بعض دعوات زواره، انتقاد مهرجان الكتاب الفرنكوفوني بتغريدة تم حذفها وكانت مسيئة لصورة لبنان، إهمال حسابه الرسمي لأي نشاط متعلق بهذا المهرجان ولاسيما إعلان رئيس أكاديمية غونكور ديدييه دوكوان ولجنة التحكيم أسماء الكتاب الأربعة المؤهلين لنيل جائزة كونكور في قصر الصنوبر في حدث ثقافي يليق بلبنان بلد التنوع الثقافي، تنظيم نشاطات في المكتبة العامة وحفلات موسيقية، التي تبدو واعدة في المتحف الوطني وصولاً الى دعمه اللامتناهي للمديرة العامة بالتكليف للكونسرفتوار الوطني هبة القواس.
الموسيقى...
في العودة إلى حصاد 2022، ساهم انحسار جائحة كورونا بإحياء محطات ثقافية عدة منها عودة فرقة "لو بام" إلى نشاطها، كما الحال مع تنظيم المهرجان الدولي للتانغو 2022 بعد انقطاع قسري فرضته الجائحة، إضافة الى أن غالبية الحراك الموسيقي في لبنان تميّز في لقاء بين منظمي هذه المحطات الفنية وجمهورها مثل الحفلات الموسيقية للجوقة الموسيقية لجامعة القديس يوسف مثلاً..الصمود الثقافي تميز بمهرجان "بيروت ترنم"، الذي أهدى بيروت الجريحة روزنامة ثقافية فنية بأسماء دولية ومحلية لامعة مع تمسكها منذ تأسيسها منذ 15 عاماً بتوفير الدخول مجاناً الى متذوقي الفن، إضافة الى إطلاق القيّمين على المهرجان مبادرة سبّاقة وريادية لتأسيس أوركسترا سمفونية مؤلفة من شباب وشابات في بيئات صعبة ومنسية لتطوير مهاراتهم ليصلوا إلى الاحتراف.عكست أيضاً محطات ثقافية دولية أخرى كانت منذ نشأتها متلاصقة مع تاريخ لبنان. فقد بقي مهرجان البستان الدولي على موعده بروزنامة عريقة جداً كالعادة، وصولاً الى وقوف كل من مهرجانات بعلبك الدولية مع اللبنانيين في هذا الزمن الرديء من خلال تنظيم حفلات غير مجانية أحيتها مجموعة من المغنين العريقين دولياً ومحلياً، فيما حضنت مهرجانات بيت الدين الدولية جمهورها بحفلات أوبرالية، طربية ومحلية مجانية جددت من خلالها الإيمان بالتنوع الثقافي للبنان، وصولاً الى مهرجانات جونيه الدولية، التي تعاونت مع إدارة كازينو لبنان وبمبادرة نموذجية متنوعة للمايسترو هاروت فازليان في صالة السفراء.
تعدّد الضجيج الثقافي من خلال مهرجان ثقافي للمجلس البريطاني، الذي أراده مع جمعيات محلية فرصة لإقحام الشباب في محطات عدة أدى بعض منها إلى عودة الحياة إلى سينما رويال في برج حمود، التي قد تشكّل "رئة" ثقافية لسكان المنطقة وجوارها.
نكهة الكتاب
كان للكتاب نكهته الخاصة في هذه السنة من خلال تنظيم مهرجان ثقافي أرادته السفارة الفرنسية والمعهد الثقافي الفرنسي تظاهرة ثقافية رئيسية كرست التنوع الثقافي المهدد في لبنان، الذي عمّ العاصمة بيروت و ضواحي لبنان، وتخللته محطات تكريمية للكلمة ومعاني الفرنكوفونية مع تحية للكبير انطوان كرباج و للداعية الإنساني شارل قرم مع محطات ثقافية أهمها لإعلان المرشحين الأربعة المؤهلين لنيل جائزة غونكور من قصر الصنوبر وما تبعها من نشاطات عمت لبنان كله من بعلبك عن حقوق المرأة وصولاً الى دينامية النشاطات في مراكز المركز الثقافي الفرنسي في بيروت وضواحيها وصولاً الى المدارس الرسمية والخاصة و مؤسسات التعليم العالي وصولاً الى إعلان جائزة غونكور الشرق لكتاب الروابط الاصطناعية لناتان دوفير، وكل ذلك في متابعة حثيثة لسفيرة فرنسا في لبنان آن غريو.
أما معرض بيروت للكتاب العربي والدولي فنجح النادي الثقافي العربي بعد عودة إتحاد الناشرين في لبنان الى تقديم مستوى عال في الندوات و التواقيع مع وجود جناح فرنكوفوني بارز في هذا المعرض، أنست من خلاله تجربة آذار الماضي، التي ترافقت مع إخفاق بنيوي للمعرض، من خلال عرض نماذج أحادية اللون في جناح دار المودة، ما ساهم في فشل هذا المعرض المنظم من النادي الثقافي العربي دون مشاركة إتحاد الناشرين في لبنان.
اللون ومجدهماذا عن المعارض الفنية؟
في الحقيقة، تنوّعت مستويات المعارض لتتلاقى من خلالها الأذواق على اختلافها، مع التشديد على مبادرة سفيرة فرنسا في لبنان آنا غريو على عرض لوحات فنانين لبنانيين من رسامين ونحاتين في أقسام قصر الصنوبر وجدرانه، وذلك بواسطة مجموعة من الغاليريات الرائدة في هذا المجال للمبادرة إلى هذا الأمر ومنها غاليري جانين ربيز وغاليري تانيت وصولاً إلى غاليري صالح بركات، ما يعكس حرص فرنسا على أن يلحظ الزائر الفن اللبناني المعروض في قلب قصر الصنوبر.
بعد نجاح مهرجان السينما الدولي بتحية إلى باسوليني مرفقة بروزنامة أفلام ومحاضرات ترفع من ذوق الناس وتثقفهم على "معنى عناصر الفيلم" وأبعاده، جدّدت المسارح اندفاعها الملحوظ لإرضاء الأذواق كلها، من مسرح مونو "المكتظ "بالمسرحيات المتنوعة ومنها عن نوال السعداوي للينا أبيض وعرض حكائي لاعترافات بيتهوفين في مسرح مونو وصولاً الى مسرحية مدافعة عن الجندرة وحقوق الإنسان وعروض غنائية صوفية لمسرح دوار الشمس فمسرح المدينة بمحطة مهمة جداً للمهرجان الغنائي الجار للجار لإحياء شارع الحمراء.
رغم هذه الدينامية، غاب عن الساحة الثقافية حراس الكلمة ورجال معتنقون للحرية وللحوار ولقبول الآخر على غرار الكبير وجيه فانوس صاحب الإرث الثقافي والأدبي الخالد، وصولاً الى محمد علي شمس الدين الشاعر الجنوبي إسماً على مسمى تخطت قصائده لبنان متمايزاً بالكتابة بالفرنسية دون أن يهجر لغته الأم ، مروراً بحسن عبد الله الشاعر الطفل الموهوب بكلمات على امتداد البراري والكون كله.