غسان صليبي
غادرنا حبيب صادق،
الكاتب والاديب والشاعر
والنائب السابق،
بعد ان افتقدنا حضوره
في السنتين الأخيرتين.
صدق حبيب صادق ورفاقه
عندما دعوا
في "المجلس الثقافي للبنان الجنوبي"،
الى مقاربة القضايا السياسية والوطنية
من منظور ثقافي تقدمي.
صدق عندما فضّل هو ورفاقه
تعبير "لبنان الجنوبي"
على تعبير"جنوب لبنان"،
فمجلسهم لم يُعنَ ب"الجنوب"
كمنطقة منعزلة
بل ب"لبنان الجنوبي"،
لبنان ككل
لكن من منظور جنوبي.
صدق عندما رأى هو ورفاقه
ان لبنان من منظور جنوبي ثقافي،
هو هذا اللبنان الذي يعلي من شأن
الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية،
ومقاومة كل أشكال الاحتلال او الهيمنة
الخارجية والداخلية،
المذهبية والطبقية.
صدق عندما اختار هو ورفاقه
ان يكون موقع المجلس
في بيروت وليس في الجنوب،
احتراما لدوره الشامل الجامع اولا
وحفاظا على حريته ثانيا.
صدق عندما ارتأى هو ورفاقه
ان مقاومة الهيمنة والتسلط
الاقطاعي بداية
والميليشيوي والسياسي
لاحقا،
لا يكون بالسلاح
بل بالسياسة والثقافة،
عبر انشاء تجمّع ثقافي
ذي إبعاد سياسية،
يحافظ على هامش
في مجال ممارسة
حرية الرأي والتعبير،
تماما كما فعل مثلا،
مؤسسو الحركة الثقافية في انطلياس
ومؤسسو الرابطة الثقافية في طرابلس،
في سعيهم لمقاومة الهيمنة
في مناطقهم.
صدق حبيب صادق
ورفافه
وان لم تصدق
إمنياتهم.
فكم نفتقد "لبنان الجنوبي"
من منظور
"المجلس الثقافي
للبنان الجنوبي."
كم نفتقد ثقافتك
يا حبيب صادق
لتطعيم سياسة
باتت تطحن الثقافة،
ولردع عنف
يتلبّس السياسة.
نبكيك
ونبكي معك حقبة
تعانقت
فيها احلامنا
ومن ثم تشلّعت.
نبكيك
كما بكينا من قبل
سمير فرنجية ونسيب لحود،
وانتم الثلاثة حاولتم بناء جسور وطنية،
بين المذاهب
وبين الافراد
وبين اليسار واليمين،
في إطار من الرؤية الديمقراطية
المبنية على السيادة الوطنية والاستقلال.
الثقافة كانت وسيلتكم
وان اتخذت هذه الوسيلة
أشكالا مختلفة،
مجلسا ثقافيا
او مؤسسة للحوار والسلم الدائم
او حركة للتجدد الديمقراطي.
ربطتني بكل واحد منكم
صداقة فكرية،
وان لم أستطع
تعميق هذه الصداقة
لانشغالي عن هموم الوطن
لفترة طويلة،
بسبب المسؤوليات النقابية
الاقليمية والدولية.
صداقتي مع حبيب صادق
استجابت لنزعتي اليسارية
ومستلزماتها الديمقراطية،
وصداقتي مع نسيب لحود
وانتمائي الى "حركة التجدد الديموقراطي"
استجابت للتوجهات الديمقراطية
لحركة التجدد
وللملامح اليسارية لبعض مؤسسيها،
فيما صداقتي مع سمير فرنجية
التي عبّرت عنها
في مشاركتي في صياغة "أوراق الحوار"
التي كان ينشرها،
استجابت لقناعتي بمشروعه
الهادف الى تكوين كتلة تاريخية لبنانية
تخرج لبنان من أزمته،
نحو أفق ديموقراطي إصلاحي.
خضتم انتم الثلاثة
المعارك السياسية،
لكن مجتمعكم همّشكم،
لصالح نماذج حزبية
اعتنقت العنف والتحريض المذهبي
والتبعية للخارج.
لكن تهميشكم
همّش معكم لبنان،
الذي رحنا نفتقده
ونحن نفتقدكم
الواحد بعد الآخر.