النهار

قراءة في كتاب د. جمال القرى "العلاقات الروسية – الشرق اوسطية، وثائق دبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس"
المصدر: "النهار"
قراءة في كتاب د. جمال القرى "العلاقات الروسية – الشرق اوسطية، وثائق دبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس"
تعبيرية.
A+   A-
عُقدت في البيت الروسي في بيروت ندوة حول كتاب د. جمال القرى "العلاقات الروسية – الشرق اوسطية، وثائق دبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس"، حيث قدّم أ. د. محمد حسني الحاج، عميد كلية الفنون الجميلة والعمارة السابق في الجامعة اللبنانية قراءة حول الكتاب.
 
 
وجاء في قراءة الدكتور محمد حسني الحاج:
د.جمال كمال القرى حائزة شهادة في الطب العام واختصاص في الأمراض والجراحة النسائية والتوليد؛ منذ ما تعارفنا في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي وهي مهمومة بماهية الوجود، ومستمرة بعطائها في كل الفضاءات التي تواجدت فيها... ناشطة اجتماعية وثقافية ونقابية وسياسية، ولم تهدأ أو تتعب رغم كل المتغيرات التي تجاوزت تشكّلات وعينا التاريخي والإنساني وغربة ذاكرتنا عن راهنية المعرفي المتعولم والوطني... استمرت بإثارة اهتماماتنا كخريجين من الاتحاد السوفياتي بقضايانا وبتوثيق العلاقات مع جامعاتنا، وكانت من الأبرز في استدامة الحفاظ على تراثنا السوفياتي ومتابعة التطورات في روسيا. واستكملت دراستها وأنهت في العام 2019 شهادة في الترجمة من الروسية إلى العربية، ونشرت العديد من المقالات وشاركت في ترجمة كتاب إيرينا سمليانسكايا "روسيا في البحر المتوسط". وبعد جهودها الكبيرة خلال عدة سنوات أصدرت الكتاب الذي يجمعنا اليوم لنحاول قراءته "العلاقات الروسية – الشرق اوسطية، وثائق دبلوماسيين ومستشرقين ومؤرخين روس" عن دار سائر المشرق. ولقد اختارت لغلافه لوحة فنية للأخوين تشيرنيتسوف (1802 – 1879)، وهي رسم لمدخل كنيسة القيامة في القرن التاسع عشر، لتختصر بها تعبيرية تاريخ العلاقات الدينية والثقافية بين روسيا وبلدان الشرق الأوسط، وكرمز لدلالات تفاعلية تنوّع مؤثّراتها وميادينها الإنساني.
 
في الشكل
يظهر في منظور الكتاب الخارجي حجمه الكبير، فهو يحتوي على مقدمتين (لقارئ روسي ألكسندر كريلوف، وقارئ لبناني زياد ماجد) وعلى توطئة (من ص. 17 حتى ص. 28) وعلى خمسة أقسام وقائمة المراجع والمصادر(من ص. 467 حتى ص. 479). ويشمل كل قسم عدة فصول، وكل فصل يتضمن عناوين فرعية، وصل عددها إلى 196 عنواناً غير العناوين الرئيسية للأقسام، وكتبت في بداية كل قسم توطئة وفي نهايته خلاصة، وأرفقت في نهاية بعض الفصول بعض الصور التعريفية.
احتوى القسم الأول (من الصفحة 29 إلى 60) على الفصل الأول وخلاصة، وتضمن 14 عنواناً.
 
القسم الثاني (63 – 135) احتوى على خمسة فصول (من 2 حتى 6). في الفصل الثاني أوردت المؤلفة مقدمة من صفحتين و 7 عناوين؛ في الفصل الثالث أوردت مقدمة من 3 صفحات و 4 عناوين؛ ونجد في الفصل الرابع 12 عنواناً ؛ وفي الفصل الخامس مقدمة من 3 صفحات وعنوانين وخلاصة؛ واحتوى الفصل السادس (الأخير في القسم الثاني)، على 20 عنواناً.
 
القسم الثالث (137 – 256) احتوى على 4 فصول (من 7- 11)، وتضمن مقدمة من صفحتين وعنوانين؛ وفي الفصل الثامن مقدمة (صفحة واحدة) و3 عناوين؛ وفي الفصل التاسع 13 عنواناً وخلاصة؛ وفي الفصل العاشر 20 عنوانا ً؛ أما الفصل الأخير الحادي عشر فتمايز بعدد صفحاته الأربعين موزعة على 7 عناوين.
 
القسم الرابع (259 – 324) احتوى على ثلاثة فصول (من 12 إلى 14). يتضمن الفصل الثاني عشر 19 عنواناً، والثالث عشر 5 عناوين، والرابع عشر 7 عناوين. (خطأ مطبعي على الصفحة 279 المفترض عام 1940 وليس 1840).
 
القسم الخامس (325 –465) احتوى على 3 فصول (من 15 إلى 17) وتمايز في إرفاقها عنوانين في توطئته، وتضمن الفصل الخامس عشر 20 عنواناً، والسادس عشر مقدمة من حوالي صفحتين و5عناوين، والسابع عشر مقدمة نصف صفحة و34 عنواناً.
وأخيراً، احتوت قائمة المراجع والمصادر (467 – 479) على 71 مرجعاً أوردتها الكاتبة باللغتين العربية والروسية.
 
في المضمون
ربما الأصح الإشارة إلى المضامين في الإصدار، لأنه تجاوز التقليد في التأريخ وكلاسيكيات كتابة الوقائع، فنجد الديبلوماسية والاستشراق والسياسي والثقافي والاجتماعي والإنساني تتماثل في اهتمامات الكاتبة وحرصها على إبراز حقائق مشهدية مقارباتها، ونستشف منطلقات وجدانها في استخدام المعلومة وفي توظيفها المعرفي، والمتأتي من تشكّل وعيها ومن العلاقات الإنسانية مع العديد من المستشرقين والمؤرخين والباحثين الروس.
 
وفي "تمهيد" (17 – 29) ابتكرت صيغاً تعريفية لمحتويات الإصدار بتكثيف لمجمل مضامينه، ضبطت فيها مسارات إرشادية لقراءته وسهّلت مفاهيمه، وعلى صفحتين أو ثلاثة، لخّصت ما أوردته في كل قسم.
 
في القسم الأول أضاءت على الحقبات التاريخية لصيغ الحكم في روسيا، من بداية تكوّن الشعب الروسي وإلى وقائعه الراهنة، محاولة إبراز سمات انتمائه الحضاري، الغربية أو الشرقية أو كلاهما؟؟ واستعرضت في القسم الثاني تاريخ وتطور العلاقات الكنسية والديبلوماسية التي حكمت سياسة الإمبراطورية الروسية في الشرق، والتي أنشأت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية والمدارس الروسية، واستطاعت امتلاك أكبر مساحات من الأراضي في فلسطين. وتناولت في القسم الثالث الخدمات القنصلية في الشرق في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وأبرزت المقارنة بين تقارير القناصل الروس والبريطانيين والاختلافات في رؤية مقاربة الأحداث للدولتين. وأوردت في القسم الرابع قضايا الاستشراق الروسي منذ بدايته حتى اليوم، فهو حسب المؤلفة لعب دوراً أساسياً في تطوير العلاقات بين روسيا وبلدان الشرق، كما وساهم برسم وتحديد الهوية القومية للشعب الروسي. ورغم تأثر بداية انطلاقته في منتصف القرن الثامن عشر بالمدارس الاستشراقية الغربية (الفرنسية والألمانية)، إلا أنه تحول في القرن التاسع عشر إلى مدرسة استشراقية بخصائصها الروسية والتي تطوّرت على وقع توسع الإمبراطورية الروسية. وقد أعيد تنظيم الاستشراق إبان المرحلة السوفياتية بما يخدم نشر النفوذ السوفياتي وتصدير الثورة العالمية. وسعى هذا الاستشراق لتنظيم نفسه بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو اليوم يشكّل مدرسة جديدة تدرس هذا الشرق الواسع، الموئل التاريخي لسياسة روسيا الخارجية. وعرضت في نهاية هذا القسم لنموذجين جديدين من القراءة الاستشراقية النقدية الحديثة، الأول مقدمة كتاب "سوريا عشية وخلال ثورة تركيا الفتاة" لسميليانسكايا والثاني مقتطفات من كتاب "الشرق الأوسط في مركز السياسة التحليلية" الصادر في العام 2019 عن معهد الدراسات الدولية في جامعة موسكو. وأظهرت في القسم الخامس والأخير إبداع أدباء وفناني وشعراء روسيا كأحد أهم الروافد التطويرية للعلاقات الثقافية الروسية – العربية، محاولة تبيان أسباب انتقالها من الإطار الديني إلى الإطار الثقافي، الذي تبلور برأيها منذ بداية القرن التاسع عشر. وقاربت بين مجالات تأثير الثقافة الشرقية – الإسلامية على الهوية الروسيّة مع توسع الإمبراطورية الروسيّة في القوقاز وازدياد عدد الحجاج إلى الشرق... كما أبرزت الدور الكبير للثقافة الروسية في تطور الثقافة العربية بفضل المدارس الروسية. واستندت في مقاربتها إلى إنتاج المستعرب الأكاديمي كراتشكوفسكي، أحد أبرز المستشرقين في النصف الأول من القرن العشرين، والذي لعب دوراً مهماً في دراسة المجتمعات العربية واللغة العربية، تطورت من خلالها العلاقات الثقافية الروسية – العربية.
 
في التقويم العام
في مقارنة للأرقام الواردة لأحجام الأقسام والفصول في عنوان الشكل الهادفة إلى إبراز بنيوية النص، تتبين لاتوازناته، إن كان في مكونات الأقسام أو الفصول. إن تفاعلات أحجام المحتويات لإظهار الرئيسي من الأفكار ومدى تواصليتها من الممكن أن يعتريها اللاوضوح في إظهار الأهداف المرجوة، وبالتالي ترتبك قراءة الدلالات المنهجية، المسألة الأساس لتأمين تكاملية المعنى وأدوات تفسير سردياته. خاصة وأننا أمام كم ضخم من المعلومات والمعطيات، ما يستدعي الاستناد إلى مؤشرات واضحة في كيفية لحظها وجمعها في مسار معرفي تراكمي، ُيستدرك من خلال تكرار الحدث أو الزمان. في هذه المساحات اللامتناهية من العناوين تتقلص حيثيات المقارنة وتكثر الأسئلة ولا تفي الأجوبة لإيضاح ما تختزنه كل هذه المستندات والمراجع والمصادر.
 
في قراءة لمضمون الأقسام تظهر جاذبياته السردية، في كل خواصها التاريخية والاستشراقية والديبلوماسية والثقافية والإنسانية... ونعجز عن ترتيب مؤثرات المعلومات (الضخمة والمتنوعة) الزمكانية.
 
نتيه في الوصف لنوعية الإصدار، وكأنه مجموعة كتب رتبتها الكاتبة في نسق معرفي متمايز بمعطياته ومعلوماته ورؤاها التحليلية لتتابعية الأحداث وتفاعل مؤاثراتها في صيغ الاستنتاجات وفي بلورة الخلاصات والظواهر، والتي نجد تقاطعاتها التبادلية في جرأة تظهير الرأي. لقد حاولت الكاتبة إدراج القيمية، الإثنية والدينية والديبلوماسية والثقافية، بتتابعيتها وبإدخال الحيثيات المعرفية للمعلومات والأحداث. ما أدى إلى طرحها نوعية مفاهيمية معاصرة لترابط الاستنادات مع تصوراتها للأهداف، مستخدمة حتى الاعتبارات غير الموثقة للعلاقات بمختلف مستوياتها، والتي حاولت الإضاءة عليها. خلال حقبة من عدة سنوات، بين وثائق ومستندات ولقاءات وما بين مخاوف وإرادة واعية، عملت الكاتبة وبجهود كبيرة على تجاوز الدراسات البحثية والتحليل الشكلي والمقاربات التقنية، ودلت على المفيد في تظهير التاريخي والثقافي لاستيلاد المعاصر والمستقبل، الأكثر تفاضلية وثقة وتشاركية... غير آبهة بأي إرباك بسعيها لجعل السياسي المتداخل مع الديني والثقافي كإرساء للديبلوماسي والمنفعي.
 
إن كتاب د. جمال سيساهم في إيضاح النشأة والتطور لنوعية العلاقات بين الدول، ويؤسس لمسارات في قراءاتها وبكيفية تأمين تبادلية المصالح المشتركة. وهي توّجت بإصداره قيمها الإدراكية لأصالة انتمائها ولرهافة وجدانها في خلاصاته، بحثت بجد وصدق عن الممكن من المشترك، من المصالح والقيم لتطوير علاقات الشعوب وتعاونها، وهذا ما حاولت تأكيده من إيضاح ما تزخر به تاريخية العلاقات الديبلوماسية والثقافية الروسية – الشرق أوسطية.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium