النهار

القداس الاحتفالي... أضخم أعمال بيتهوفين في نداء للبحث الإنساني عن السلام
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
القداس الاحتفالي... أضخم أعمال بيتهوفين في نداء للبحث الإنساني عن السلام
القداس الاحتفالي أضخم أعمال بتهوفين.
A+   A-
موسم جديد من الصمود الثقافي في وجه الانهيار أطل علينا في أمسيتين مساء الثلثاء والأربعاء الماضيين كانتا مكرستين لبيتهوفين وتحديداً لأضخم أعماله "القداس الاحتفالي" في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية في بيروت.

هذا القداس الاحتفالي "ميسا سوليمنس" أرادته المايسترو ياسمينا صباح من خلال قيادتها كل من جوقة جامعة القديس يوسف وفرقة من أعضاء جمعية الشبيبة الموسيقية في لبنان المطعّمة بطاقات من الأوركسترا الفلهارمونية الوطنية و غناء أوبرالي في محطات في العمل الضخم لكل من السوبرانو بنيديكيت توران، الميزو سوبرانو صوفيا بافون، التينور بشارة مفرج والباريتون ألكسندرو قسطنطين "تمثيلاً رمزياً للبحث الإنساني عن السلام، الذي لا يمكن اكتشافه إلا من خلال المشاعر الدينية، جماعياً وفردياً"، وهذا وفقاً لما كتبه الباحث لويس لوكوود المتخصص بموسيقى بيتهوفين وهو يثني بكلماته على أهمية هذا القداس".
 
 
 

دخلت المايسترو ياسمينا صباح بثقة واضحة متّشحة بفستان أسود طويل أنيق جداً. بعثت إلينا خلال قيادتها هذا العمل الضخم طعماً روحانياً آخر للمشاعر الدينية السامية، التي يحملها هذا العمل، من خلال أسلوب ومزاج حركت من خلاله إيماننا، لا بل جددته.
فاجأتنا صباح بمهارتها في قيادة هذا العمل الضخم، لا بل في إيماءاتها المنتظمة، التي حولها المحرك الرئيسي دون منازع للعمل بحد ذاته، رغم أنها ذكرت قبل البدء الحفل لـ"النهار" أن الأجزاء الخمسة لهذا العمل تترافق بتقنيات موسيقية صعبة جداً، تتداخل فيها الأصوات والموسيقى أيضاً، ما يفرض تنظيم الأمور ليصبح عملاً متناسقاً بين الجوقة والأوركسترا والغناء الأوبرالي".
 
 

ارتكز العمل على اهتمام أساسي ألا وهو أن يشعر المستمع بصراع بيتهوفين للتصالح مع الإيمان. يسري الصراع علينا لنحاول محاكاة الله ونحن غارقون في كومة قلق من غضب وأحزان على مصيرنا. يحملنا هذا التساؤل إلى أن نكون تواقين للابتهاج بهذه المصالحة مع الإيمان، رغم أن كل ما يدور حولنا يناقض عدالة السماء.
ما سر هذه المصارحة الروحانية؟ عكست تفاصيل هذه الحفلة الموسيقية التي تليق بلبنان الآتي،من خلال أجزاء عمل ضخم اتخذ منحىً موسيقياً جدياً لم تخرقه أي ابتسامة.
 
 

ينطلق الجزء الأول من هذا القداس بطلب رحمة الله علينا. تتحد الكمانات مع هذا الرجاء لتعلو نفساً واحداً إلى السماء وسط تألق عازف الكمان الأول في الفرقة الموسيقية ماريو الراعي، الذي أعطى بأداء أنامله قيمة مضافة للتأملات الموسيقية في البحث عن المصالحة مع الله.
 
 
 

توالت الأجزاء الأخرى ترنيماً لمجد الله بشيء من التدافع الموسيقي ابتهالاً للخالق، وصولاً إلى التسبيح بالإيمان من خلال دقات قلوبنا المتسارعة مع الموسيقى، مروراً "بالتضرع للقدوس" مترجمة بحركات موسيقية قوية مليئة بالزخم وصولاً إلى "حمل الله،" الذي شهد في زمن بيتهوفين جملة انتقادات بسبب إدخال بيتهوفين الموسيقى على الصلاة، وهذا ما كان غير مقبول في حينها.

لا شك أن المجموعة الرباعية الأصوات في غنائها الأوبرالي هي متجانسة من خلال بشاره مفرج الصوت الكبير بوضوحه، والرحلات الغنائية الجميلة البارزة بصوت بينديكت توران، ونبرة صوت لطيف لصوفيا بافون مع الإشارة إلى أن صدى الصوت الجميل لألكسندرو قسطنطين أسرنا بحضوره المميز المفعم بالوضوح والمدى الطويل.
تمايزت علاقتهم بالجوقة بنمط مميز جداً. أعطيت الفرصة لتتوزع هذه الأصوات محاولة التعالي فوق الأصوات المتجانسة للجوقة.

ليلة الأربعاء كانت مكرسة لبيتهوفين، للعلاقة مع الله والإيمان. كنا ننقب من خلال هذا الثالوث أي الموسيقى وغناء الجوقة وغناء المجموعة الأوبرالية في البحث عن الله، محاولين خوض التحدي في الشك والإيمان وتعزيز السلام في صياغة رائعة للعمل الموسيقي ألا وهو هذا القداس الاحتفالي لبيتهوفين.
هل تكون الرؤيا شاملة عند متابعة هذا الزحم الكبير في الأداء الموسيقي والغنائي وتفاعلات الآلات الخشبية والوترية فرصة لتتويج لحظات التأمل في الله واختراق رتابة المشاعر للعبور نحو الضوء؟
 
 
 

ما هو واضح أن بيتهوفين أحب العالم من خلال إهدائه موسيقى كالقداس الاحتفالي وهو أعظم مؤلفاته ليدفعنا للبحث في مصيرنا مع ذاتنا والله.
ترك بيتهوفين عبر هذا العمل فرصة لسامعيه لاختبار مدى تجاوبهم الفعلي مع دعوة هذا القداس الإلهي الممثلة بنداء أطلقه بيتهوفين للسلام.

لم يكن مصادفة أن يثار السلام في قاعة الأسمبلي هول من خلال العودة إلى الإيمان.
باتت معالجة هذا الصراع، الذي تناوله بيتهوفين، دعوة واضحة عبر الكلمات والموسيقى إلى السجود أمام الخالق من خلال رسم طريق للسلام تنبع من داخلنا كرسل سلام دون الاتكال فقط على إرادة الخالق في نشر هذه الدعوة لـ"اللاعنف"، وهي بعيدة كل البعد عن متناول عالمنا المأزوم بصراعات إثنية، دينية و أخلاقية واجتماعية واقتصادية،ما جعلنا على مسافة بعيدة من إنسانيتنا...

فهل ضاع هذا النداء فعلياً في هذا العالم المجنون؟

Twitter:@rosettefadel

اقرأ في النهار Premium