أكّدت المصرية- الفرنسية فرح الديباني التي باتت أول مغنية عربية في أوبرا باريس لوكالة فرانس برس أنها "فخورة جداً" بكونها تفتتح غداً الخميس مهرجانات بيت الدين الدولية في لبنان، على مسرح تعاقبَ عليه قبلها أشهر أرباب الغناء الكلاسيكي وسواهم من النجوم.
وقالت الديباني وهي تنظر بإعجاب من شرفة فندق في بيروت إلى حركة الناس في ساحة الشهداء بوسط العاصمة اللبنانية، قبل أيام من انطلاق المهرجان الذي يحتفل بعامه الأربعين، "للبنان في قلبي معزّة خاصة".
وأضافت الميتزو سوبرانو البالغة 34 عاماً، "أنا متأثرة وأشعر بقشعريرة لكوني سأغني في لبنان عموماً وفي بيت الدين خصوصاً ... فهو مهرجان عريق".
ولاحظت أن "الفنانين الذين غنوا فيه أسماء كبيرة جداً في مجال الأوبرا وغير الأوبرا، كفيروز، و(البريطاني) إلتون جون، و(الإسباني) بلاثيدو دومينغو، و(الروسية النمسوية) آنّا نتريبكو و(الإيطالي الفرنسي) روبرتو ألانيا". وقالت "أنا فخورة جداً باختياري لأغني فيه ولأفتتحه".
وستكون الحفلة التي تقدمها الديباني في القصرِ التاريخي العريقِ الذي بناه الأمير بشير الشهابي في القرن التاسع عشر في بلدة بيت الدين، الثالثة لها في لبنان، بعد أمسية أولى عام 2018 مع أوبرا باريس، وثانية منفردة عام 2021، ضمن مهرجان "بيروت ترنّم".
أما لحفلتها اللبنانية الثالثة غداً الخميس، فأعدّت الديباني مع المايسترو لبنان بعلبكي الذي يقود الأوركسترا المرافقة لها، "برنامجاً خاصاً بمهرجان بيت الدين".
وشرحت أن "نصف الحفلة تقريباً سيكون لأعمال أوبرالية مشهورة، وبينها مقتطفات عدة من أوبرا "كارمن" ومن أوبرا "شمشون ودليلة" ومن أعمال روسية وألمانية".
أما للنصف الثاني من الحفلة، فاختارت الفنانة الملقّبة "كارمن المصرية" أغنيات معروفة لداليدا وفيروز وأسمهان. وقالت في هذا الصدد: "من الأغنيات التي أؤديها دائماً في لبنان "لبيروت". أغنيها عموماً للبنان حتى وأنا خارجه، وبالتالي سأقدمها هنا بطبيعة الحال".
وسبق لفرح الديباني التي أصبحت عام 2016 أول عربية في دار أوبرا باريس بعد نيلها الماجستير في الغناء الأوبرالي من برلين إلى جانب إجازة في الهندسة المعمارية، أن أدت أغنيات النجمات الثلاث خلال منتدى هيئة الأمم المتحدة من أجل المساواة بين المرأة والرجل في معهد العالم العربي في باريس عام 2021، في حضور شخصيات سياسية عالمية، من بينها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
وفي نيسان 2022، غنّت النشيد الوطني الفرنسي في احتفال فوز ماكرون بولاية رئاسية ثانية، ثم أدت الـ"مارسييز" مجدداً بعد أشهر قليلة في استاد لوسيل بقطر، قبل انطلاق المباراة النهائية لكأس العالم لكرة القدم بين منتخبي الأرجنتين وفرنسا.
أما نشيد بلدها الأم مصر، فغنّته أيضاً بطريقة أوبرالية في مناسبتين حديثتين، إحداهما في العاصمة الإدارية الجديدة، والثانية قبل أيام لمناسبة العيد الوطني الفرنسي في 14 تموز الجاري في القنصلية الفرنسية في الإسكندرية، حيث وُلدت.
نشأت الديباني في الإسكندرية في كنف عائلة تقدّر الموسيقى، إذ إنّ والديها درجا على الاستماع إلى كل أنواعها، وجدّها كان يهوى العزف على البيانو.
وفي المدينة المصرية المتوسطية التي اشتهرت تاريخياً بطابعها الكوزموبوليتي المنفتح على الحضارات والثقافات، كبرَت فرح وهي تسمع "أعمالاً من الربرتوار العربي المصري وفي الوقت نفسه الأوروبي"، على ما روَت.
ولاحظت أن "هذا المزيج القليل الوجود" وفّر لها "ميزة إضافية كبيرة جداً مقارنةً مع مغني الأوبرا الآخرين"، وجعلها "مختلفة".
وقالت المغنية السمراء التي كانت ترتدي خلال حديثها لوكالة فرانس برس في بيروت عباءة بالوان فاتحة وتضع في معصمها سواراً فرعوني الطراز: "هذا أولاً وسّع ربرتواري، وعزز من جهة ثانية إمكاناتي وقدرتي عل الوصول إلى جمهور مختلف جداً. جعلني منفتحة أكثر لا مقفلة على جانب معين". ورأت أنه "مصدر غِنى، وامتياز تحظى به قلّة من الفنانين".
ولا ينبع النجاح الذي حققته الديباني فقط من أنها "مصرية وعربية وصلت إلى أن تغني في أوبرا باريس وهذا أمر لم يحصل من قبل"، بل أيضاً من كون الجمهور الغربي يلمس في صوت الشابة التي مُنحت وسام الفنون والآداب الفرنسي من رتبة فارس عام 2022 وكرّمها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2021، "خامة شرقية وطابعاً دافئاً ومخملياً"، وفق التعليقات التي تتلقاها.
ولدى هذا الجمهور كذلك "فضول كبير جداً للاستماع إلى أعمال أوبرالية باللغة العربية"، وهي تجربة خاضتها الديباني. ومن أبرز ما قدمته بلغة الضاد أوبرا "الناي السحري" لموزار، بالمصرية لا بالفصحى. كذلك غنّت بعض مؤلفات الملحن وقائد الأوركسترا المصري شريف محي الدين الذي لحّن بطريقة كلاسيكية أوبرالية قصائد بعض أبرز الشعراء العرب، ومنهم المصري أمل دنقل.
وفي نظر الديباني التي اختيرت ضمن قائمة "بي بي سي" لـ"100 امرأة ملهمة ومؤثّرة"، وتحيي حفلة مع "لندن تشميبر أوركسترا" في العاصمة البريطانية في نهاية السنة الجارية، أنّ "للأوبرا بالعربية مكاناً" في المشهد الفني، وأنّ لها "جمهوراً كبيراً، مع أن هذا الفن أوروبي أساساً، وغناؤه بالعربية جديد".