النهار

"ناي في التخت الغربي" لريما بالي... بين الابتكار والمتعلّقات النصّية
نبيل مملوك
المصدر: "النهار"
"ناي في التخت الغربي" لريما بالي... بين الابتكار والمتعلّقات النصّية
غلاف الرواية.
A+   A-
تلتقط ريما بالي في روايتها الأخيرة "ناي: في التخت الغربي" (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر – طبعة أولى 2023) صورة جديدة من صور الفرد السوري الذي سرعان ما يغدو لاجئاً أو رافضاً لفكرة التمزّق المجتمعي والسياسي في بلده، لكنّ المفارقة أنّ نصّ بالي رغم كلّ أواصر التعلق النصّي اللاواعي بنصوص روائيّة سابقة، قد أتى بجديد مفاده مغامرات الفرد اللاجئ في عمق الغربة ليقع النصّ ما بين نفقين، الأوّل تجديد وابتكار وسرد لما لم يُحكَ بإسهاب بعد وفتح كوّة في جدار الروح الغائبة، أمّا الثاني فهو التعلّق النّصي المجسّد بالعودة الحتميّة الى الماضي أو الأصل خصوصاً إذا ما كان الحديث يرتبط بمدينة حلب.


الابتكار... الروح البعيدة حين تنظم إشاراتها
يُعدّ الخيال عنصراً مكمّلاً لعناصر العمل الأدبي عموماً، وكلمة خيال قد تنسحب نحو معناها الشعبي وهو الخروج عن المألوف وطبيعة الواقع أو نحو معناها المبتكر، توليف الواقع بأمنية أو أمنيات، وهذا ما نراه بوضوح في نصّ بالي التي وضعت رسائل كُتبت لسيسيل، الحقوقيّة والصحافيّة الغارقة في حكايات الأصل والبحث عنه، ما يجعل النصّ محكوماً بتقنيّة تعدّد الأصوات الروائيّة التي تحدّث عنها ميخائيل باختين في معرض حديثه عن تأويل النّص.
والابتكار عند مؤلّفة رواية "خاتم سُليمى" (دار تنمية-2022) يتجاوز الشكلانيّة والتقنيّات وينجح موضوعاتيّاً نحو متن النصّ حيث عكست صورة اللاجئ الذي لا يعرف معنى اللابراءة في هذا العالم من خلال علاقة ناي بالمكتبة أوّلاً وناي بسيزار ثانياً التي كشفت عن استغلال الخلل الجنسي والحاجة الرومنطيقيّة الشهوانيّة لناي بعد فشل علاقتها بغسّان، ما أوقعها في فخ الأوهام المرتدية قناع الأحلام التي رسمها سيزار لناي الهاربة الراغبة في الاستقرار وبناء وطن ينضح سلاماً داخلياً...
إذن، النصّ يتقدّم بابتكار ملحوظ، ورغبة كتابيّة في تخطّي كلّ ما روّج له الكلاسيكيّون من اعتناء متطرّف بالحبكة، فكما لاحظنا، الموضوعة والتقنيّة تسيران على خطّ واحد ما يجعل بالي أقرب إلى مفهوم النسق المتكامل.

التعلّق النصي: حتميّة حضور الذاكرة الجماعيّة

لا شكّ في أن البنيويين أصابوا حين كشفوا النقاب عن التناصّ أو ما يُعرف أكاديميّاً بالمتعلّقات النصيّة، فكلّ نصّ يرتبط بسابقه ولو لم يكن هذا الارتباط واعياً، وما ينطبق على نصوص سابقة من تأثّر وتأثير ينطبق على هذا النصّ، بدءاً بالتلميح إلى واقعة المجزرة الأرمنيّة والسلسلة العائليّة التي تدرّج المتلقّي في التعرّف إليها من خلال شخصيّات لصيقة من ناحية القربى وصلة الرحم بسيسيل، وهذا ما يذكّرنا بمدوّنات كثيرة تطرّقت إلى هذا التفصيل منها بنت الخيّاطة لجمانة حدّاد... فضلاً عن استحضار رواية الحرب السوريّة بتفاصيلها كدخول تنظيم داعش إلى عقر دار الأزمة وأسلوب غسل الأدمغة الذي تعرّض له طارق ويونس وسواهما من الشخصيّات فضلاً عن نثر المعاناة الاجتماعيّة على شكل مشهديّات غير مباشرة القصد خصوصاً في الصفحتين الأولييْن من الرواية.
هذا التقاطع النصّي بعوامله الحاضرة وسواها التي سينقّب المتلقّي بحذر ولهفة نقديّة عنها قد يبرّر وقد يؤخذ على الكاتبة... قد يبرَّر لكون الخلفيّة العرقيّة والمناطقيّة والنفسيّة لصاحبة "خاتم سليمى" تفرض سياقاً لاواعياً كهذا السياق المتفرّد أسلوبياً المتقاطع موضوعاتياً مع غير رواية... وقد يؤخذ على الكاتبة كونها لم تكشف ما الجديد أو ما هو المسكوت عنه في هذه السياقات التاريخيّة المغايرة.

رواية ريما بالي تكثر فيها الأزمنة والشخصيّات لكنّها لا تدور في دائرة رسمها نقداً غريماس أي إنها لم تكن مساعدة أو معاكسة بعضها لبعض بل موازية وناقدة بعضها لبعض.
وما بين التعلّق النّصي والابتكار يبقى للمتلقّي أن يجد على أيّ مقعد قرائي سيراقب الرواية... ويقرّر أين هو.


اقرأ في النهار Premium