مرة أخرى، حاكت الفنانة التشكيلية السورية رنا سلمون اللون في طروحات عن وجود الإنسانية في معرض منفرد بعنوان "هم" في غاليري مارك هاشم، شارع ميناء الحصن في وسط العاصمة...
التصوير الحركي للوحات يعكس ظلال أجساد متلاصقة لا تلمس أرجلها الأرض... ألوان الأجساد في بعض اللوحات ترابية، أي يطغى عليها اللون البني بأنماطه المتدرجة والمتفاوتة حيث يمتزج فيها لون الأرض
وخصائصه كدليل للاستقرار مع اللون.
بمعنى آخر، تقارب من اللون الترابي لون آخر وهو بني فاتح بدرجات متضاربة كأنه مشهد هروب من فراق المكان وذاكرته...
تتساءل عند رؤية غالبية اللوحات عما إذا كانت تقارب بنمط تجريدي ظلال ناس اختاروا الهجرة من وطنهم على قوارب الموت...
هل يخشون تلاعب الأمواج على المركب وهم على متنه أسرى حرية منقوصة حاملين معهم أطفالهم؟ هل يكترثون للموت لأنهم يعيشون يومياً هذا الشعور القاتل المتوغل في جدران منازلهم ويوميات حياتهم، ما فرض عليهم مغامرة الإبحار بعيداً عن اليابسة..
للا تحدد سلمون أي تعريف محدد لكل لوحاتها، فهي بلا اسم بأكملها. الواضحأنها تعتمد الأسلوب السردي للوحات أكريليكية بعضها ملون وبعضها الآخر بالأسود والأبيض، ما يعكس مساراً كرونولوجياً عن الإنسان وتطوره في هذا العالم المثقلبالأزمات الوجودية.
إذا توقفت عن التمعّن باللوحات لتقارب نهج سلمون فيالرسم من خلال التحدث اليها عن حكايتها مع اللون، تعتمد الصمت تاركة لكل زائر فيالمعرض فرصة للتجوال في أروقة المعرض المستمر إلى الخميس 5 تشرين الأول يومياً منالساعة 10،30 صباحاً إلى الساعة 7،30 مساء، لاستخلاص الصور والعبر من تلك الظلال،التي كتبت عنها أنها "أقدام شخوصي تتقمص شكل الجذور ولألواني رائحة التراب،كيف لا "وهم" المتجذرون في الأرض، الخارجون من رحمها والعائدون إليها،"مشيرة إلى أنها "كثيفة هي خطوطي !"ومتحركة ومتحررة في اختيار أشكالها، مترددةوخائفة أحياناً، كيف لا "وهم" أيضاً خائفون
إذا عدنا إلى بعض اللوحات "الحية" بوجود هذهالظلال، فنحن ننجذب طوعاً إلى لوحات بالأسود والأبيض تكشف ظلال وجوه وأجسادمتلاصقة تشبه أسطورة الكهف لأرسطو.
نحن كهذه الظلال مساجين محبوسون في كهف تحت الأرض،وجوهنا شاحبة كأننا نتابع على الحائط خيالات عن طبيعة الإنسان الحر خارج هذا الكهف.
هذه الصورة الخيالية، التي شعرنا بها أمام هذه اللوحة،كشفت قدرنا الصعب في هذا العالم، الذي بات يحاكي أنماطاً خاصة أكثر من الإنسان بحدذاته.
يتوغل الخيال في ثلاث لوحات بالأسود والأبيض يتوسطها شخصفي وسط العمل كانه من عالم أساطير نهاية الزمان، يتجسد فيها العقاب والظلام.
ازدحمت الصور عند هذه اللوحات لنتحول من خلالها إلى مخلوقات تتلصلص على واقع العقاب، الذي إرتبط بالأساطير بحكم الآلهة... هذه المشاهد السريالية تختلط في ذاكرتنا ووعينا الكامل في أشكال متداخلة تتنبأ بحالنا المأسوي الذي لم يتغير منذ بداية الإنسانية إلى اليوم.
هل نحن تواقون للحقيقة؟ سؤال محيّر وسط وجوه في بعض اللوحات غير واضحة وسط خلفية ملونة بالأصفر أحياناً وبالأزرق السرمدي في لوحة أخرى كأن تعبر عبر ذلك اللون المطمئن عن الشاطئ الأخر وسط الهدوء الآتي في سكينة الحياة.
هذا المعرض يحمل في طياته محاولة لفهم الحياة وواقع الموت أو حتى في محاولة للمصالحة مع الموت، وهذه المعضلة عجز عنها الكثيرون لأن محاكاة الحياة والموت هي في الحقيقة حوار لا نهاية له يحمل في كنفه العتب والثورة والألم والبكاء الصارخ رفضاً لرحيل الأحبة...
[email protected]
Twitter:@rosettefadel