النهار

اللغة العربية تستقطب كلمات مواقع التواصل... بين "ترند" الأجنبية و"ترويقة" اللبنانية!
بتول بزي
المصدر: "النهار"
اللغة العربية تستقطب كلمات مواقع التواصل... بين "ترند" الأجنبية و"ترويقة" اللبنانية!
تصميم ديما قصاص.
A+   A-
إنّه عصر الترند بكلّ ما للكلمة من معنى! فهل توقّعتم يوماً أن تُدرَج الكلمة الأكثر استخداماً وانتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي وبين شعوب العالم ،"Trend"، في المعجم العربي، لتُصبح من بنات اللسان الأكثر غنى في العالم؟

وهل تعلمون أنّ لهجتنا اللبنانية التي نتميّز بها بين الشعوب العربية تضيف اليوم إلى المعجم العربي ذخيرة لغوية، إذ باتت كلمة "الترويقة" اللبنانية كلمة "أمميّة" لدى العرب، وتعني بطبيعة الحال "وجبة الفطور"، وفق ما هو شائع.

هاتان المفردتان أقرّ "مجمع اللغة العربية في القاهرة" اعتمادهما لسانياً، وإضافتهما إلى معجم اللغة العربية، ومعهما مفردتَان أخريان، هما "ترويسة" و"ترهّل". لكنّ باحثين في اللغة العربية يؤكّدون أنّ الكلمتين الأخيرتين مُدرجتَان من قبلُ في معجم اللغة، وتُستخدمان بمعناهما الآتي: "ترهّل" تدلّ على شيء ضعيف، و"ترويسة" تدلّ على "أعلى الصفحة أو عنوانها"؛ ومن ميزاتها أنه يُمكن تشكيلها لتُماشي قواعد الفصحى، لأنها مشتقّة من "رأس".

ثورة في اللغة؟

ثمّة كلمات ومفاهيم لم يعرفها العرب سابقاً، وباتت منتشرة بكثرة مع التطوّر الرقميّ وفي عصر الذكاء الاصطناعي، فكيف يُمكن التعبير عنها اليوم؟

لا يرى البروفيسور أهيف سنّو، المحاضر في الجامعة اليسوعية في اللغة العربية والإسلامية، أنّنا "أمام ثورة في اللغة، فما نشهده اليوم موجود في لغات العالم كلّه، فمجمع اللغة الفرنسية يُضيف سنويّاً كلمات جديدة، ويُجري تنقيحات دورية"؛ ويعتبر أنّ "الإضافات على اللغة العربية دليلٌ مشجّع على أنّها لا تزال حيّة"، مشدّداً على أن "مجامع اللغة العربية تقوم بعمل جيّد بإضافة هذه الكلمات".

أحياناً، الكلمة التي تعيش بين المجتمعات وتُستَخدم بكثرة ليست تلك التي أدرجها مجمع اللغة لفصاحتها وإمكانياتها الدلالية، بل التي دخلت إلى اللغة بفعل الاستعمال اليوميّ، عبر وسائط الاتصال الجماهيري والتواصل الاجتماعي، مثل التلفزيون والصحافة، وهذا ما ينطبق على مفردة "ترند".

في حديثه لـ"النهار"، يتساءل سنّو عن كيفية تحريك كلمة ترند، ويقول: "إن أُدرجت الكلمة كما هي من دون تحريكها فيعني أنّ مجمع اللغة لم يؤدِّ الغرض منها، فهي بلفظها غير عربية، وبالتالي تمّت عصرنة الكلمة ليس إلّا". أمّا ترويقة فهي كلمة لبنانية "يُمكن تحريكها بالفصحى ولا إشكالية في إدراجها".

هذا الرأي العلميّ تؤيّده مؤسِّسة ورئيسة "مجمع اللّغة العربيّة في لبنان"، الدكتورة سارة ضاهر، التي تعتبر أنّ "الاعتراض على أجنبيّة الكلمة لا يُلغي أهمّيتها، وسط استخدام شائع لدى الشعب العربي بأكمله، كما أنّ إمكانية استبدالها بمصطلحات أخرى لا تُلغي أيضاً الاستخدام الفعلي للكلمة".

إلى ذلك، لم يَنْحز علماء اللغة لكلمة ترند في مجمع اللغة العربية، بالرغم من أن أصواتاً مجمعيّة خرجت لتطالب بكلمة "رائج"، فيما تقترح ضاهر سبيلاً جديداً كـ"النحت" (مصطلح نحوي)، واستنباط مفردة جديدة بجمع أول حرف من كلّ كلمة. على سبيل المثال: ترند تعني "آخر صيحة يضجّ بها العالم". تقول ضاهر: "فلنأخذ أول حرف من كلّ كلمة ونستنبط مفردة جديدة كما تفعل معاجم اللغة الأجنبية، إذ إنّ الاشتقاق لا يُلبّي دائماً الكلمات الحديثة".

هناك إشكال في تحريك الكلمة إذن، أو في عجزها عن ملائمة قواعد الاشتقاق في اللغة العربية، فلا يكون لها فعل ولا اسم فاعل أو سوى ذلك. وهنا تُعطي ضاهر مثالاً عن كلمتَي "مُبارك" و"مبروك". فالأصحّ في اللغة هو "مُبارك"، فيما الأكثر استخداماً هي كلمة "مبروك" والتي تعني كيفيّة جلوس الجَمَل؛ وقد غلبت الكلمة الشائعة والأكثر استخداماً الكلمة الفصيحة الصحيحة.

هل سنؤثر سلباً على اللغة العربية؟

تسعى مجامع اللغة في الدول العربية إلى تطوير مرصد للّغة العربية لرصد المفردات الجديدة التي يستخدمها الناس حول العالم، خصوصاً في ميادين الإنتاج الروائيّ والشعريّ والكلاميّ لاستنباط الكلمات التي تُشكّل معجماً للأمة العربية.

وهذا الأسلوب الجديد "لا يؤثّر سلباً إطلاقاً على أصل اللغة العربية"، برأي ضاهر، التي تعتبر أنّه "إذا ما أردنا الركون إلى فصيح الكلام القديم، من دون مواكبة العصر والألفاظ الحديثة، فسنصبح كأنّنا في بحيرة راكدة ذات مياه آسنة، لا يُمكن تجديدها". وتؤكّد أنّه "يجب التجديد والابتكار والتسجيل في اللغة العربية، فالمشكلة هي بالفكر وتطويره وليست في الكلمات المُستخدمة".
 
التنسيق والتعاون بين المجامع العربية يجري على قدم وساق لمواكبة سرعة التطوّر الفكريّ والثقافيّ في العالم. أمّا في لبنان، فتخرج الكفاءات في مجمع اللغة، وبجهود خاصة، نحو العالم العربي. فبعد تعاون سابق مع مجمع اللغة في الشارقة، يتّجه الفريق اللبناني إلى مجمع الملك سلمان في السعودية في 26 أيلول للمشاركة في فعالية للّغة، ليبقى لبنان رائداً ثقافيّاً وبوابة للأدب والمعرفة.
 

اقرأ في النهار Premium