النهار

خفايا سحر كمان ماريو الراعي: موسيقاه كونشرتو للحياة ورسالة صمود لبيروته
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
خفايا سحر كمان ماريو الراعي: موسيقاه كونشرتو للحياة ورسالة صمود لبيروته
عازف الكمان الأول ماريو الراعي إلى اليمين
A+   A-
من باب الهرب من جحيم بيروت، يُفرغ عازف الكمان البارع ماريو الراعي في حنايا حديثه لـ"النهار" محطات رئيسيّة من رحلته الشاقة في التمرّس على العزف الموسيقيّ لتلك الآلة، التي باتت جزءاً منه لا بل تنتحل شخصيّته، فتكشف عن مشاعره ومخاوفه إلى أقصى الحدود.

ثابر الراعي في مسيرته ليعترف الكثيرون - باستثناء بعض الغيورين من نجاحات الآخرين- بأنّه العازف المحترف، والعاشق المتيّم بآلته، وذو المهارات في عزف الكمان والأداء الكلاسيكيّ، ولينتقل إلى نمط آخر ثابت في موسيقى التانغو، خاصّة في نوتات الجاز القديم.
 
 


الراعي هو عازف الكمان الأول اليوم في الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية. يصمد على جبهة الثقافة في لبنان، ويتشبّث بجذوره ورائحة تراب وطنه الأم...


لبنان والغربة
 


"لست نادماً على عودتي إلى لبنان منذ 12 عاماً بعد دراستي المعمّقة للموسيقى في معهد سانت سيسيليا في روما، وهو من أهمّ المعاهد الموسيقية وأعرقها"، قال الراعي.

كشف الراعي صفحة بعد صفحة عن حياته كعصاميّ النشأة. شعر بأن احترافه هندسة الكومبيوتر في بيروت جرفه إلى أفق مسدود كلياً، ممّا جعله يتّخذ قرار السفر إلى روما لتعلّم الموسيقى بعد أن تشرّب حبّها في مدرسة متخصّصة في سيدة العطايا على يد عمّه الموسيقيّ مارون الراعي والسوبرانو يولا ناصيف...
 
 
 
شكّل انتسابه إلى معهد سانت سيسيليا في مدينة روما مفترق طرق بغاية الأهمية. أتاح انتسابه إليه فرصة العمر لتعميق ثقافته في مدينة روما في الفنون كلها، خصوصاً في علم الموسيقى على يد كبار أساتذتها.

لم تكن الغربة، وفقاً له، شيئاً سهلاً عموماً. قال: "كان عليّ التأقلم مع غياب الجو العائلي، الذي ترعرعت ضمنه في لبنان. كنت مسؤولاً عن تسديد مستحقات دراستي من حلال انتسابي للعمل كجامعي مع الحرس الأمني في كاتدرائية القديس بطرس الباباوية في مدينة روما ضمن فرصة متاحة للطلاب الجامعيين لتذخير بعض المال ودفع أقساط الجامعة ومستلزمات الحياة، ممّا خلق في داخلي إرادة قوية للمثابرة على هدفي في صقل مهاراتي العلمية".
 
باغانيني وموزار
 

 
يُشكل ريبرتوار الراعي مصدر إعجاب لكثيرين، لاسيما من خلال انتقاله من موسيقى نيكولو باغانيني عازف الكمان، الذي يصفه بالعمود الفقري لتعليم الموسيقى في الكونسرفتوار، إلى تمرّسه في عزف موسيقى بيتهوفن الصعبة، "فيما جاءت موسيقى موزار، الذي يعشقه كماني، لتفرض أن يكون العازف على مستوى العزف مع أوتار متناسقة ليصدر صوتاً موسيقياً واحداً". 

تعرّف الراعي على إيقاعات ثابتة من عالم التانغو خلال متابعته المهرجانات الدولية لهذه الموسيقى في روما، إضافة إلى أن دراسته في المعهد فتحت آفاقاً له للتعمّق في أنماط عزف الجاز القديم على كمانه.

انتقل الراعي إلى لبنان، لكن "رفاقه الإيطاليين اتصلوا به بعد الانفجار المشؤوم في 4 آب 2020 للانتقال إلى روما". وقال: "لم تراودني فكرة العودة إلى إيطاليا إلا في صيف 2021 حين كنا نفتقد مقومات الحياة أي الكهرباء والماء. لم ينتابني هذا الشعور إلا لوقت قصير لأنني لا أرغب في إعادة تجربة الحياة القاسية التي عرفتها في مدينة روما. يعنيني اليوم أكثر من أي وقت أن أصمد هنا من أجل مدينتي بيروت وبلدي لبنان".

أجاب بصراحته المعهودة بأن انتماءه لآل الراعي لم يساهم في دفع مسيرته إلى الأمام لأننا "لطالما تعلّمنا الاتكال على أنفسنا في شقّ درب حياتنا".

توقّف عند مهامه كعازف كمان أول في الأوركسترا الفلهارمونية 
الوطنية، مشيراً إلى أن "العازف الأفضل بين مجموعة العازفين في الفرقة وصاحب الخبرة في العزف يتسلّم هذه المسؤولية، ويعمل على ربط التعليمات بين قائد الأوركسترا والعازفين، وتوحيد اللغة بين عازفي الكمان، أو امتصاص أيّ خطأ تقنيّ بين مجموعة العازفين في الأوركسترا مع الحرص على نقل الخبرة للناشئين".


الكونسرفتوار وسبينوزا

تحدّث عن وضع الكونسرفتوار الوطني، فأشار إلى أنه يشعر عند دخوله إلى أحد فروعه في كلّ من شارعَي زقاق البلاط ومونو بأنه في محيط دائرة رسميّة لا تشبه لا من قريب ولا من بعيد أيّ معهد وطني للموسيقى، شاجباً أعذار الإدارة التي تتعلّق بتداعيات الأزمة الحالية على الكونسرفتوار، بالرغم من أنّه يعاني منذ أعوام طويلة من غياب أيّ تخطيط واضح لسير عمله.

ورأى أن تعامل إدارة الكونسرفتوار لم يكن صارماً مع العازفين الأجانب، لأن أغلبيّتهم لم تلتزم بمضمون الاتفاق بين الطرفين، الذي ينص على تخصيص بعض الحصص التعليمية في الكونسرفتوار، الذي يعاني أساتذته من رواتب متدنية، وهذه حال موظفي القطاع العام، آملاً في أن تصب علاقات المديرة العامة للكونسرفتوار هبة قواس في مصلحة المعهد الوطني للموسيقى ونهضته.
 
ختاماً، عبّر عن اعتزازه الشديد بنجاحات زوجته قائدة جوقة جامعة القديس يوسف المايسترو ياسمينا صبّاح، مثنياً على جهودها الجبّارة في السهر على التمارين والتحضيرات لأيّ حدث فنّي للجوقة، التي تتضمّن 60 منشداً ومنشدة، طارحاً بين قوسين أنه انجرف طوعاً في قراءة الفلسفة لاسيّما نتاج سبينوزا، الذي يطرح بالعمق التكامل بين الطبيعة والإنسان بصفته جزءاً منها لا بل كياناً متكاملاً في ما بينهما من دون شك...".

[email protected]
Twitter:@rosettefadel





الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium