يشغل دالي عارفيه لأنّه متشعّب جداً. أقلقته عقارب الساعة جداً، أي الوقت، وهو أورثنا هذا الهلع القاتل من عقارب الساعة التي دهمت حياتنا وجعلتنا في سباق مع مراحل الحياة. لكن لدالي وجهاً آخر كأيّ رجل عاشق للنساء، طبعاً بسورياليته المبدعة من دون شك. هذه الميزة قد تخفف من مجموعة لوحاته، التي يلقي عليها أثقال الوقت والدقائق، في وجه جمهوره العريض وربما الضيّق.
تعرّفت إلى دالي في الصفوف الثانوية في مدرسة القديس يوسف - عينطورة، في حصة تثقيفيّة غير صفّية تعرف المنتسبون إليها على عالم الفنون بأشكالها...
إنعاش الذاكرة
إن الحديث عن دالي يفرض على من يكتب عنه إنعاش الذاكرة من خلال قراءات عدّة، منها ما ضمّنه علي العلي في أطروحة بعنوان عريض لافت عن "الأنثى... نواة الفن الأولى، وقوعات في تجارب تشكيلية لبنانية"، خصّ فيه الحديث عن المرأة عن سلفادور دالي، "ولاسيما في سياق غالا نفسها الموديل الأيقوني لدالي، وقد صورها بأسلوب واقعي يميّز أعمالاً كثيرة له، ويتضح من دقّة التصوير أنّه أراد من المتلقّي أن يُدرك، منذ اللحظة الأولى، أن هذه غالا وليس سواها، حيث تظهر في لوحة دالي متقمّصة دور ليدا وقد جلست على مكعّب هندسي، وبجوارها طائر البجع الأبيض في حالة استكانة وتودّد بالغ".
يقول العلي أنّ "الطائر هو دالي نفسه، هائم في معبد غالا زوجته وحبّه الأبديّ"، موضحاً أنّه "أحبّها حبّاً جنونيّاً، لذلك كانت النموذج الأصليّ في معظم أعماله، وهو يرى نفسه، وعندما يصور نفسه بجعةً، يُظهر الأنثى الموجودة في داخله برمزيّة واضحة، لأنّ الفيسلوف الفرنسي باشلار رأى أنّ البجعة في الأدب بديل المرأة العارية... إنّها العري المُباح، البياض الناصع، والظاهر مع ذلك. فعلى الأقّل، الإوزّات يُبحن أنفسهنّ للرؤية، والذي يبعُد البجعة، يشتهي المستحمّة".
وفي رأيه، "لعلّ لوحة "ليدا وطائر البجع" لسلفادور دالي تُسهم في تفسير مسألة الجنس في الفن، العامل المحرّك للمخيّلة، وصولاً إلى لحظة إبداع تتحرّر بواسطتها وخلالها المخيّلة من قيودها"، لافتاً إلى أنّ "الموضوع الميتولوجي، الذي يعود إلى الأساطير اليونانية القديمة، كان محطّ استلهام واستعادة عند العديد من الفنّانين التشكيليّين، الذين قدّموه بقوالب مختلفة، أقلّ ما فيها انعكاس لتوتّراتهم الداخليّة بما يخصّ المرأة والعلاقات الجنسيّة الغريبة، ذلك أنّ علاقة بين طائر وآدميّ، أي خارج المألوف، يحمّل القصة والعناصر الكثير من الرمزية والدلالات والتأويل".
الأنثى والجنس
انتقل العلي إلى موضوع "الأنثى والجنس في فيض غزير من نتاجه الفني، فأتت أعماله، التي تناولت الموضوع الجنسيّ متضمّنة رموزاً وغموضاً مقصودين، وجملة من الأحاجي التي تثير التساؤلات وتحمل التأويل"، مشيراً إلى أنّه "في لوحة المستمني العظيم يظهر عند دالي ميل لإظهار الغرائبيّة الشديدة، فقد اختار وسائل تعبيريّة كان همّها الأساسيّ بعث الصورة الحلميّة، التي تحدّث عنها فرويد، فبدا في حالة من الهذيان والهلوسة".
وذكر أنّ "الفنان يمزج، بشكل مبتكر، رأس زوجته وعشيقته الأبديّة غالا مع شخصية ذكورية فذّة"، مشيراً إلى أنّ "الفكرة الأبرز بقيت صورة الأنثى التي تقدّس الرجل، والتي انصهر جسدها مع العناصر المحيطة في حالة من الذوبان، الذي يذكّر بلوحة "الساعات الرخوة" لدالي نفسه، والتي توحي بحلميّة عميقة لا يسهل فهمها، فأعمال دالي هي أحلام يقظة وهلوسات مشروعة حيث يسكن الهجس بالأنثى وأمومتها وخصوبتها".
[email protected]
Twitter:@rosettefadel