د. سارا ضاهر
يُعدّ مؤتمر الشارقة الدّولي الأوَّل للدراسات العربيّة والاسلاميَّة، الذي عُقد في الشارقة في 29 و30 تشرين الأوَّل/أكتوبر، بعنوان "الدّراسات العربيَّة والإسلاميَّة في أوروبا: واقع وآفاق"، إضافة مميَّزة وثريّة تُبشِّر بمزيد من التوسُّع لتجربة نشر اللغة العربيَّة والدراسات المتَّصلة بها.
فقد اتّسم المؤتمر الذي عُقد برعاية حاكم الشارقة وحضوره، صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمّد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد، والرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربيَّة في الشارقة، بمشاركة متنوِّعة أضفت عليه ثراءً متعدِّد المنبت والأصول المتأتية من منبت وأصل واحد، هو اللغة العربيَّة.
وما أدهش الحاضرين في المؤتمر، ولا سيَّما العرب منهم، وأمتع آذانهم وأراح قلوبَهم وزاد من عزمهم على تطوير اللغة العربيّة، هو أنهم استمعوا إلى لغتهم بلسان بولندي وإيطالي وكازاخستاني وإسباني وألماني وروسي وفرنسي وروماني ونمساوي ودنماركي وتركي. أمر فريدٌ من نوعه لا يكاد يُصدّق. وهذا مما لا شك فيه، قد طمأنهم إلى أنَّ لغتهم منتشرة في العالم، وتخطت الإطار العربي، ودخلت الجامعات والمعاهد المرموقة والعريقة، وباتت تشكِّل أحد الفروع المهمة للدراسات العليا والشهادات العالية.
وكلُّ ما يحصل في البلدان الأوروبيَّة على صعيد اللغة العربيَّة، هو كناية عن جهود فرديّة يقوم بها علماء وأساتذة جامعيُّون، من بلدان عربيّة يُقيمون في أوروبا، وعلماء وأساتذة جامعيّون من بلدان أوروبيَّة، "للغوص في بحور" هذه اللغة كما قال سموّه، و"ارتشاف رحيقها، فآتت أُكُلها فيهم"، على صُعُد الإنتاج العلميّ واللغوي الرّصين في مجال الدراسات العربيَّة والإسلاميَّة.
وقد استأثر تمدُّد اللغة العربيَّة، منذ دخولها في السِّياق الحضاري لتاريخ البشريَّة، وانتظامُها، وتوسّع انتشارها مع توسُّع انتشار الدعوة الاسلاميَّة، باهتمام العلماء الأوروبيين، فأثمرَ كتباً ودراساتٍ وكلّياتٍ ومعاهد لتعليمها، وسعياً حثيثاً إلى نشرها وتعميم الاستفادة من كنوزها، نثراً وشعراً.
وفي هذا الإطار العلمي والمعرفي، تبلورت فكرة عقْد "مؤتمر الشارقة الدوليّ الأوَّل لدراسات اللغة العربيَّة في أوروبا"، تمهيداً للإضاءة على واقع اللغة العربيَّة في أوروبا ورصْد حضورها، والنظر في بحوث المستعرِبين والمستشرقين في مجال الدراسات الإسلاميَّة.
وسعى المؤتمر من جهة أخرى، إلى تلمُّس التأثير والتأثُّر بين الشرق والغرب، والتعرُّف إلى ما يُواجهه الباحثون من تحدِّيات على صعيد اللغة العربيَّة في أوروبا، وماهيَّة المساعي المطلوبة لتذليل تلك العقبات، وفتْح آفاق بحثيَّة حتى "يُعانق ماضي العربيَّة حاضرَها الزاهر".
ودعا المؤتمر إلى مدِّ جسور التعاون والتبادل الثقافي بين مجمع الشارقة والمؤسَّسات التي تُعنى باللغة العربيّة، وتسهيل تعلُّم العربيّة على الدّارسين في أوروبا، وتبادُل الخبرات بين الباحثين العرب والمستعربين في أوروبا، لإيجاد سُبُل ناجعة في تعليم العربيّة.
وعُقدت في اليوم الأول من المؤتمر ثلاث جلسات، وكذلك في اليوم الثاني. وتضمَّن الكتيّب الذي أصدره المؤتمر، أسماء المشاركين فيه وجنسياتهم ومِهَنَهم ومؤهِّلاتهم العلميَّة وخبراتهم.
وقد تنوّعت المداخلات وتفاوتت بين أكاديمي ولغوي وثقافي وتجارب ميدانيّة. وبعد أ.د. باربارا ميخالاك – بولندا، الأستاذة الجامعيَّة ورئيسة قسم الدراسات الشرقيّة في جامعة كراكوفا، والدكتورة في اللغة العربيّة وآدابها، التي ألقت مداخلة بعنوان: مئة عام من دراسات اللغة العربيَّة في جامعة ياجيلونسكي في كراكوفا، توالى على الكلام، كلٌّ من أ.د فرانشيسكا كوارو التي تحدّثت عن ترجمة وتدريس الشعر العربي في إيطاليا، وأ.د. وائل فاروق وأ.د. أليساندرا بير سيكتي التي تحدّثت عن الدراسات الأنثربولوجيا في واقع الدراسات الإسلامية في إيطاليا، وأ.د. عقيل مرعي، وأ.د. سامال توليوبايفا التي تحدّثت عن واقع الدراسات العربيّة الاسلاميّة في كازاخستان، وأ.د. اختيار بالتوريّة، وأ.د. يركنبيك شوقي من كازاخستان، وأ.د. خوان أنطونيو من إسبانيا، وأ.د. إغناطيوس غوتيريث دي تيران غوميث بينيتا الذي تحدث عن الدراسات العربية في إسبانيا: حالة أوروبيّة استثنائية في حاجة إلى الاستنفار، وأ.د. سيباستيان غونتر من ألمانيا، وأ.د. أناستاسيا أوستروخوفا من روسيا، وأ.د. محمد حقي صوتشين من جمهورية تركيا، وسواهم.
وختاماً، لا مبالغة في القول، بالاستناد الى ما أكّده الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة الدكتور محمد صافي مستغانمي: "إنَّ المؤتمر تجربة مميَّزة شهدتها الشارقة، وإضافة كبيرة إلى المهتمّين باللغة العربيَّة من المشاركين في أوراق العمل والحضور"، وقد وعدت توصيات المؤتمر ببذل مزيدٍ من الجهود لوضع استراتيجية واضحة وفعّالة لنشر اللغة العربيَّة في أوروبا.