لم يغيّر "معرض الشارقة الدولي للكتاب" عادته في استقطاب الاهتمام حتى في ظلّ التحديات الكبيرة التي تشهدها المنطقة. نجح المعرض في جذب آلاف الزوار مستضيفاً مئات الشخصيات والفعاليات. على مدى أيام، تحوّل المعرض مساحة للحوار والنقاش وتبادل الأفكار والرؤى الثقافية.
استضاف معرض الشارقة خلال دورته الـ42، 108 دول عربية وأجنبية، يمثّلها 2033 ناشراً وعارضاً، قدّموا خلال الفترة من الـ1 من تشرين الثاني وحتى الـ12 منه، في مركز أكسبو الشارقة، 1.5 مليون عنوان.
جمع المعرض 600 مؤلف وقّعوا كتبهم الجديدة، وشهدت دورة هذا العام من المعرض تنظيم 1700 فعالية متنوعة، بمشاركة أكثر من 215 ضيفاً من 69 دولة، واستهدفت جميع الأعمار من مختلف الاهتمامات.
قال الرئيس التنفيذي في هيئة الشارقة للكتاب أحمد العامري: "نتحدّث كتباً وحواراً وتسامحاً، ونحاول أن نوصل ثقافة الإنسان والالتقاء مع الآخر والتعرّف عليه، ولا يمكن التعرف من دون ترجمة لغاته".
وأضاف في حديث لـ"النهار" أن "الصورة النمطية، التي وجدت لدينا لأسباب إعلامية مختلفة، تؤثر على تكوين الإنسان وشخصيته".
ورداً على سؤال حول التنافسية في مجال معارض الكتب، قال: "نفخر بهذا التواجد، ومشروع الثقافة مجهد وكبير، وعملنا تراكم سنوات، والتنافسية الثقافية تصبّ في مصلحة نشر الكتاب العربي. هو ليس تنافساً في الواقع بل مشاريع تكاملية".
وتناول استراتيجية المعرض الترويجية، قائلاً إن المعرض أصبح "محطة للتواجد، والأمر لم يأتِ بين يوم وليلة، فهو نتاج عمل سنوات، ونؤمن بأن الثقافة جامع للشعوب بغض النظر عن السياسة".
والتقى العامري عدداً من ممثلي الوسائل الإعلامية العربية المكتوبة والمسموعة والمرئية الذين يشاركون في تغطية فعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الـ42، حيث رأى "إن الثقافة هي جامعة لشعوب العالم بمختلف دولهم ومللهم وأعراقهم، ولا تفرّق بين عرق أو دين أو لون".
وأشار إلى أن "معرض الشارقة يؤكد على هذه الثوابت من خلال وجود 109 دول مشاركة فيه، و2000 دار نشر موجودة".
وقال: "هذا التنوع يصبّ في خانة تعزيز مكانة اللغة العربية وقوّتها على المستوى العالمي؛ فالشارقة أصبحت بوابة للقاء بين الشرق والغرب، ممّا يدلّ على ثقة الناس بإلامارة وحاكمها الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، وتوجيهات الشيخة بدور القاسمي رئيسة هيئة مجلس الشارقة للكتاب".
جولة بالفيديو على المعرض.
وعن مقاطعة هيئة الشارقة لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب، قال:" انسحابنا من المعرض كان بسبب إقحام الثقافة في السياسة. نحن نرى أنه لا يمكن فعل ذلك، ولم نقحم السياسة في الثقافة. نحن في معرض يجمع شعوب العالم بغض النظر عن المذهب والدول والعرق والجنس وغيره. إن معرض الشارقة يؤكد أن الثقافة ليست للنزاعات إنما هي جامعة، ولغة حوار وتبادل فكريّ وإنساني. ونؤكد دائماً هذه النقطة، ولا نفضّل أن نكون في محافل سياسية لأننا لسنا جهةً سياسيةً إنما نحن جهة ثقافية".
الرئيس التنفيذي في هيئة الشارقة للكتاب أحمد العامري.
ولفت إلى أنه "لدينا دائماً تحدٍّ أكبر، وهذا التحدّي والمنافسة هو مع ذواتنا وليس مع أيّ جهة أخرى. إننا نقوم بمراجعة خطواتنا وتقييمها لناحية النجاح أو الفشل أو التعزيز. فعندما نرى أن المعارض على مستوى العالم تتخذ من الشارقة معياراً يُقاس عليه، فهذا بحدّ ذاته نجاح للثقافة العربية ومشروع الشارقة ودولة الإمارات ولصاحب السمو حاكم الشارقة الذي آمن منذ البدايات ويؤمن بأهمية الثقافة والكتاب، بغضّ النظر عن المردود المالي أو التجاري، إذ أراد بناء الإنسان وعقله لأنه المستقبل".
أضاف العامري:"نحن نعتزّ بتراث الإمارات وهويّته الثقافية العربية، إنما ندمج العالمية مع الثقافة العربية. ونؤكد على محورية الكتاب. فعندما نقول "نتحدث كتباً" فهذا يعني أننا نتحدّث بكل لغات العالم. توجد 33 لغة في مكتبة الشارقة، ويقيم في الإمارات نحو 200 جنسية. وفي العام الماضي زار المعرض 112 جنسية. من هنا، لا يمكنني أن أعزل نفسي. هناك تنوع ثقافي دولي لا يستثني أيّ جهة. إن معرض الشارقة اليوم هو ساحة وميدان للتبادل الثقافي والفكري".
وأكد العامري على أن "دور النشر المشاركة بكتبها لديها الحرية في عرض ما تريد، ونحن لا نطّلع مسبقاً على ما تودّ عرضه"، مشدداً على أننا "نمدّ جسوراً للتواصل"، و"ونفخر "بكلّ المقيمين على أرضنا".
السيد أحمد العامري متحدثاً إلى "النهار العربي".
عن التسهيلات التي يقدمها المعرض لدور النشر لا سيما تلك التي تعاني من الصعوبات والضائقة الاقتصادية، لفت العامري إلى أن "هناك معاملة خاصّة لدول شمال أفريقيا ككل، لكون تكلفة الشحن مرتفعة؛ لذلك ندعمهم بطريقة مميّزة، ونستقطب أكبر عدد من دور النشر". وأشار إلى أن اختيار الشخصية الثقافية السنوية يتم من خلال لجنة خاصة في الهيئة لمن يمثل الأدب بكل معانيه ومعاييره".
من ندوة وزيرة التغيّر المناخي والبيئة الإماراتية مريم المهيري في المعرض.
وتحدث العامري عن "منحة الترجمة"، وعن دور النشر العالمية الموجودة في الشارقة لشراء الحقوق والمحتوى العربي، فقال "لدينا كنوز في العالم العربي مميّزة وفريدة، ونقوم بتصدير هذه الثقافة إلى الآخر عن طريق منحة الترجمة أو وكالة الشارقة الأدبية وعدد من البرامج التي نقوم بها كي نصل بأدبائنا إلى كلّ دول العالم. نحن بوابة بين الشرق والغرب إنّما جذورنا عربيّة. نمثل الإمارات وفي الوقت عينه نمثل الثقافة العربية".
وتطرق العامري إلى "الشركة الموجودة في الشارقة، والتي تقوم بالطباعة حسب الطلب، ولديها قاعدة بيانات مكوّنة من 17 مليون عنوان كتاب، ممّا يوفّر حلولاً قويّة وثابتة لدور النشر والكتاب، ونحاول أن نعزّز من صناعة النشر العربية والكتاب العربي على مستوى العالم".
رائدة الفضاء الأميركية سونيتا وليامز شاركت في إحدى فعاليات المعرض، وتحدّثت إلى "النهار العربي".
وقارن العامري بين بدايات المعرض في العام 1982 و 2023 حيث لم تكن "حينها أي دور نشر أو تواقيع كتب بينما اليوم هناك ما يزيد عن 300 دار نشر إماراتية، و600 كاتب مقيم على أرض الإمارات، وقعوا كتبهم".
وعن كيفية اختيار الأدباء والمثقفين، أوضح العامري "هناك تأكيد من الحاكم على ضرورة مشاركة كل كاتب من دول العالم العربي"، مشيراً إلى أنّه "يتمّ الأخذ بعين الاعتبار أيضاً التنوع الثقافي والمواضيع والانتشار العالمي".
رائد الفضاء الإماراتي هزاع المنصوري شارك في ندوة خلال المعرض، وتحدّث إلى "النهار العربي".
ولفت العامري إلى "أن العمل الثقافي مكلف، وهو محرقة للأموال، ولكنّه أيضاً لبناء الإنسان". وأشار إلى "أن صناعة النشر تعتمد على عوامل عدّة، وهي الكاتب والمحتوى والناشر وسلسلة الإنتاج والتوزيع، ونحن نريد أن نطور هذه الصناعة كي يرتقي الكاتب ويصل كتابه إلى مختلف دول العالم، وذلك لا يتم إلا عبر الاتفاق وبناء الجسور"، لافتاً إلى أن معارض الكتاب أصبحت اليوم "الرئة لتوزيع الكتاب على مستوى الوطن العربي وفي آسيا وفي أميركا اللاتينية".