المهندس مازن عابد
أن تسرد سيرة حياتك أو ما تيسّر للفكر والذاكرة والعمر من إمكانية تدوين الأحداث، التي ترافق المرء وتطبع على روحه بصماتها وندوبها، يعني التحدّي والأمانة في الوقت ذاته، حيث يعود الكاتبُ عبر الزمن بمركبة الذاكرة والذكرى، ليعيش الشعور والحدث من جديد.
لخّص الصديق الكاتب يوسف طراد مسيرة حياته العسكريّة والمهنيّة في هذا الكتاب مصطحباً القارئ معه إلى الزمان والمكان وتفاصيل تلك المرحلة، ومميّزاً بجرأة قلّ مثيلها في استعراض الأحداث وتمرير نظرته ورؤيته بشكل لا لبس فيه.
بروح وطنيّة عالية يقدّم يوسف طراد نفسه نموذجاً عن الشباب اللبناني الطموح المؤمن بوطنه، لا سيما في زمن المحن، مسلّطاً الضوء على المؤسسة العسكرية بما فيها من مناقبية عالية وتفانٍ، وثغراتٍ أيضًا تكتشفها بين السطور، غير عابئ بما يمكن أن يُمسك عليه من صراحة زائدة في تسمية الأشياء بأسمائها، مستنداً إلى إرادة الخير في كلّ ما يكتب، وإلى الروح الوطنيّة الغامرة في هذا الكتاب.
قد يتبادر إلى أذهان البعض وجود رتابة في سرد تفاصيل الوظيفة العسكرية في الجزء الأول من الكتاب، لكننا حين ننظر إليها بعين (اليوسف) فسنعذره. ألا يستحق من أفنى عمره في هذه المؤسسة المشرّفة أن يذكر يوميّاته وانطباعاته وما ترسّخ في النفس على مرّ السنين؟
مقاربة الصديق يوسف طراد للحرب اللبنانية المشؤومة جاءت على عجل، والكثير من الأحداث التي أتى على ذكرها قد يختلف معه الكثيرون في نظرته إليها، كما في إغفاله الكثير من الجوانب المحيطة، إذ حرص على الإضاءة على جانب من الصورة، "حرب الآخرين على لبنان"، مُغفلًا الأسباب الداخليّة، وهي عديدة ومتنوّعة وحقيقية. لكن ما يشفع ليوسف هو صدق الاعتقاد والانتماء والروح الوطنيّة العالية التي لا تشوبها شائبة...
وللحبّ في كتابه حيّز كبير، يتماهى بحرفيّة وجدارة الكاتب مع الأحداث الأليمة في طريقة سرده، ليستحقّ فعلاً عنوان "عطر ودماء"، فتراه في انتقال سلس حتى في الأسلوب من الحرب إلى الحبّ (بحذف متقن للراء) لتزهر حروفه بما يفيض من روحه الطيّبة المكوَّنة بالفطرة من السّلام الروحيّ والخير والجمال...
بعدها تأتي فاجعة استشهاد حبيبته صادمة، من دون أيّ إنذار من الكاتب وغير متوقّعة... وكأنّها تشير إلى الواقع في ذاك الزمان، حين كان الموت - على كثرته - لا يأخذ حقّه، ويمرّ مرور الكرام كما كلّ الأحداث الجسام في وطن يفترض أنّه وطن الحياة، وطن الرسالة والإشراق والنور...
لعلّ الخاتمة في زيارته إلى الزميلة عبير تختصر الخلاصة بأجمل تعبير. في هذا التلاقي على محبّة هذا الوطن، والتعالي على الجراح، وفي اجتماع الخصال الجميلة في أبنائه بعفوية أهل الخير وطهر الانتماء الصافي...
أسلوب سلس ومرن في السرد، بسيط وعميق، وكأنّها بلاغة لا تجرح جوهر المعنى، ولا تخلو من لمحات النكتة اللبنانية التلقائية في نوادرنا وأخبارنا وأدبياتنا...
إلى المزيد من سكب الذات على الورق يا صديقي العزيز بروح اللبناني المؤمن والشّامخ كالأرز...