النهار

الموسيقار العالمي ناجي حكيم لـ"النهار": أدعو الشباب الى تقصّي الحقائق بأنفسهم
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
الموسيقار العالمي ناجي حكيم لـ"النهار": أدعو الشباب الى تقصّي الحقائق بأنفسهم
ناجي حكيم.
A+   A-
نحتاج أحياناً الى أن نوقف عالمنا المثقل بالهموم والأحزان من خلال إجراء حوار يصل الأرض بالسماء كما الحال مع المؤلف الموسيقي العالمي ناجي حكيم احد أهم عازفي الأورغ في فرنسا، الذي غادر بيروت بعد إعطائه برنامج "ماستر كلاس" في التأليف الموسيقي في بيت التباريس للفن والثقافة.

يحمل حكيم همّ بيروت وحبه الكبير لها. هذا الإسم العلم الذي خصص مهرجاناً باسمه في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وأصدرت إحدى أهم المجلات الموسيقية البحثية في ألمانياً عدداً بحثياً خاصاً عن موسيقاه المنتشرة في كبريات الفرق الموسيقية في أوروبا، يتمتع بتواضع قلّ نظيره.

تمكن من خلال توقه الى الكمال في عمله من أن يكون محط أنظار أحد رواد الموسيقى الكنسية الراحل جان لانغلي، ووارث أوليفييه ميسيان على أورغ بازيليك القلب الأقدس في شارع مونمارت الباريسي. شغل مناصب عدة منها بصفته البروفسور الزائر للأكاديمية الملكية للموسيقى في لندن، وتم تكريمه بجوائز عالمية منها منحه الوسام الحبري الذي قلده إياه البابا الراحل بنديكتوس السادس عشر تقديراً لمقطوعاته الكنسية الموسيقية ومنها "ترنيمة الكون" ومجموعة الكونشرتو الخاصة للكمان والبيانو...

حكيم، الذي غزت موسيقاه أوروبا، ما زال يشعر بحزن عميق لأن الحرب الأهلية في العام 1975 أرغمته على مغادرة مدينته بيروت. وذكر لـ"النهار" أن الحزن غلبه بعد فراقه عن بيروت "لأنها المدينة التي ولدت فيها، العابقة بذكريات الطفولة، وحرارة العلاقات العائلية وحنان الأجداد على الأحفاد"، مشيراً الى "أننا نفتقر الى هذه المشاعر الحميمة في باريس حيث ينتابك شعور باليتم أو تقع أسير وحدة شديدة بسبب بعدك عن هذا الجو العائلي المفعم بالعاطفة..."
وقال: "أنا مولع بزوجتي وولدي، لكنني أتوق الى بيروت دائماً. اشتاق الى مناخها، الى الفرح المتوغل في النفس من رائحة الخبز التي تفوح من الأفران، الى كل شيء، الى العيش في مساحة يشعر فيها الفرد بالمكان مستغلاً الوقت فيه لنفسه وللآخرين، وهو ما نفتقده خارج بيروت"...

قاطعناه بأن مدينته بيروت تغيرت عما كانت سابقا إذ يلفّها اليوم الحزن الشديد ولاسيما بعد فاجعة 4 آب 2020. أجاب: "مهما فعلوا ببيروت فهم لن يتمكنوا من المسّ بروح هذه المدينة المختلفة عن عواصم العالم كلها لأنها ستبقى معششة في قلوب ناسها ومحروسة في أعماق عيونهم..."

يستعيد عشقه للأورغ، الذي اكتشف ولعه به يومياً في صغره ولاسيما من خلال مشاركته في القداس الإلهي في مدرسة الفرير في الجميزة، مشيراً الى أن "صوت الأورغ وحده كان الدافع الأساسي لالتزامه الحضور الى المدرسة التي لم تكن تستهويه كثيرا".

ابتسم حكيم عندما ذكّرناه بشهادة الموسيقي الراقي توفيق سكر، الذي أشاد بأدائه وهو لم يتجاوز بعد الـ 8 أعوام متوجهاً بالكلام الى والدته: "هذا الصبي سيكون من الأسماء الخمسة اللامعة في العزف الموسيقي في لبنان".

لكن حكيم واجه صعوبات عدة في مسيرته، فقد غلب المرض عليه أحياناً وعرف فترات من الأحباط في بعض يومياته. وقال إنه أكمل دراسة الهندسة في باريس بعدما بدأها في جامعة القديس يوسف في بيروت، مشيراً الى أنه لم يحظ بتنويه لجنة التحكيم في الكونسرفاتوار الوطني الفرنسي الا في السنة الثالثة من الدراسة.

وشدد على أن مفتاح نجاحه هو المثابرة في العمل او التوق الى التقدم، وقال: "توقع جان لانغلي، الذي كان أستاذاً كبيراً في تعليم الموسيقى، نجاحي لأنني كنت دائماً اواظب على متابعة دروسي معه. كان يردد أنني لم أكن أكتفي بالقليل مثل غيري، بل كنت أواظب دائماً لمعرفة كل شيء..."

حكيم يخص دائماً شيئاً من تراثنا في أعماله الموسيقية كما الحال في أحد مؤلفاته بعنوان "الشمس تشرق دائماً على بيروت"، التي وضعها في العام 2008 جامعاً فيها حوارا موسيقيا لبنانيا - دانماركيا.

وتوقف ايضاً عند تأليفه مقطوعة موسيقية بعنوان "بعلبك"، شارك فيها أسوة بكبار الموسيقيين أمثال بشاره الخوري وإبرهيم معلوف وشعراء أمثال إيتيل عدنان وسواها في فعاليات العرض الشاعري الموسيقي الضخم "إلك يا بعلبك" المنظم من قِبل مهرجانات بعلبك الدولية في العام 2015، إضافة الى تخصيصه مقطوعة لبنانية عابرة لألحان تراثية منها "يا غزيّل"، "تفتا هندي"، "على دلعونا"، "عبدو حابب غندوره"،" بنت الشلبيه..."

عمل حكيم، الذي يتحضر لإحياء حفل ضخم يعزف من خلال مقطوعتين مصممتين من تأليفه خصيصاً لآلة الأورغ "إحياء لقيامة المسيح في حزيران المقبل في المانيا، في زمن كورونا لتأليف مقطوعات منفردة لآلات موسيقية كالبيانو والكمان وسواهما لكي لا تقف الجائحة في وجه مسيرة الموسيقى وانتشارها في العالم".

في كواليس حياته، لا يهوى السياسة البتة ولا يتابعها لأنه على يقين أن السياسيين في العالم هم "دمى تنفذ ما يمليه الخارج عليها".

ختاماً، تمنى على اللبنانيين "أن يتضامنوا في ما بينهم"، وعلى شباب لبنان "أن يبحثوا عن الحقيقة من دون انتظار أن يمليها أحد عليهم".


[email protected]
Twitter:@rosettefadel

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium