كان من المقرر أن يعرض المخرج الهندي الأميركي سونيل سانزجيري فيلمه الذي يتناول المقاومة ضد الاستعمار في حقبة الإمبراطورية البرتغالية في مهرجان برلين السينمائي الدولي هذا الشهر قبل أن ينسحب.
وأعلن سانزجيري على إنستغرام مقاطعة المهرجان متهما السلطات الألمانية بإسكات الأصوات المتضامنة مع الفلسطينيين في الحرب في غزة. وكتب "لن أتواطأ. أيدينا جميعا ملطخة بالدماء".
فيلم سانزجيري ضمن ثلاثة أفلام على الأقل سحبها صانعوها، فيما أعلن فنانون أيضا الانسحاب من المهرجان.
وتعكس الانسحابات مأزق مؤسسات ثقافية ألمانية بين حماية حرية الفن وفي الوقت ذاته الإقرار بما يعتبره كثيرون من الألمان مسؤولية تاريخية تجاه إسرائيل بعد المحرقة النازية.
وشهدت أنحاء أخرى في أوروبا شقاقا مماثلا منذ هجوم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في السابع من تشرين الأول. وقاوم اتحاد البث الأوروبي دعوات لاستبعاد إسرائيل من مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن).
واندلعت احتجاجات في مدينة نابولي الإيطالية في شباط بعد أن نأت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإيطالية (راي) بنفسها عن نداء وجهه مغني راب إيطالي من أصل تونسي يدعى غالي "لوقف الإبادة الجماعية" خلال الليلة الختامية لمهرجان سانريمو الموسيقي الشهير.
وقامت شبكة من الفنانين في بريطانيا بتوثيق الأحداث الملغاة بسبب آراء فنانين مؤيدة للفلسطينيين. كما أُثيرت ردود فعل غاضبة عقب إلغاء حدثين لفلمين فلسطينيين بمعرض أرنولفيني للفنون في بريستول خشية "انحرافها إلى حراك سياسي".
وفي فرنسا، نظمت مجموعة من الفنانين في تشرين الثاني "مسيرة صامتة" رفعوا فيها لافتة بيضاء من دون شعارات.
إضراب ألمانيا
الغضب في ألمانيا جراء الهجوم الإسرائيلي الذي أسفر عن مقتل أكثر من 29 ألف فلسطيني في غزة، اصطدم بالحساسيات تجاه دعم إسرائيل. ويقول منتقدون إن حملات القمع ضد الأصوات المؤيدة للفلسطينيين تخلط بين النقد والاحتجاج المشروع.
ويقول معارضون إن الحكومة استخدمت نفوذها المالي في الأحداث الثقافية التي غالبا ما تكون مدعومة من الدولة لمنع أي انتقاد لإسرائيل، وهو اتهام تستنكره الحكومة.
وقال متحدث باسم وزارة الثقافة "حرية الفن وحرية التعبير من بين أهم المبادئ الأساسية للديمقراطية في ألمانيا، وتحميها بالطبع الحكومة الاتحادية أيضا".
وأضاف المتحدث "المؤسسات والمشاريع الممولة على المستوى الاتحادي تتمتع بالحرية التنظيمية وتقرر بنفسها الفنانين الذين تعمل معهم".
وعبر المخرج سانزجيري في إعلان مقاطعته لمهرجان برلين السينمائي الدولي عن دعمه "إضراب ألمانيا"، وهي مبادرة أطلقها في كانون الثاني فنانون لم يعلنوا عن هوياتهم، وجهوا من خلالها دعوة إلى صانعي الأفلام والموسيقيين والكُتّاب والفنانين للانسحاب من الأحداث الثقافية في ألمانيا.
وكتب المنظمون "هذه دعوة لرفض استخدام مؤسسات ثقافية ألمانية لسياسات مكارثية تقمع حرية التعبير، وتحديدا التعبير عن التضامن مع فلسطين".
وسجل نحو 1600 فنان بالمبادرة وفقا لقائمة موجودة على موقعها الإلكتروني ضمت الفرنسية الحاصلة على جائزة نوبل آني إرنو. ولم تتمكن رويترز من التحقق من صحة القائمة.
وخلال الشهر الماضي، أعلن مهرجان سي.تي.إم الموسيقي الذي يقام في برلين انسحاب العديد من الفنانين استجابة لدعوة إضراب ألمانيا.
وتدعو مبادرة إضراب ألمانيا إلى اعتماد تعريف مختلف لمعاداة السامية لا يشمل انتقاد دولة إسرائيل.
ولم يتجاهل مهرجان برلين السينمائي الدولي قضية غزة، وذلك عبر استضافة ما يسمى بمبادرة "البيت الصغير"، وهي عبارة عن مساحة نقاش صغيرة تدعو الأصوات المتباينة للحديث حول الحرب. وسلط أحد الأفلام الضوء على تعدي المستوطنين الإسرائيليين على الأراضي.
والمبادرة واحدة ضمن أحداث ثقافية عدة في ألمانيا يخيم عليها الغضب بشأن غزة.
وأدان مئات الكُتّاب الدوليين معرض فرانكفورت للكتاب في تشرين الأول بعد تأجيل منح جائزة لكاتب فلسطيني. وفي تشرين الثاني، استقالت لجنة حكام معرض دوكومنتا بأكملها، وهو أحد أهم المعارض الفنية في أوروبا، بعد خلافات حول الصراع بين إسرائيل وحماس.