النهار

مكتبة قطر الوطنية: صرح معرفيّ وواحة لثقافات العالم (صور وفيديو)
بتول بزي
المصدر: "النهار"
مكتبة قطر الوطنية: صرح معرفيّ وواحة لثقافات العالم (صور وفيديو)
مكتبة قطر الوطنية في الدوحة.
A+   A-
تختلف سمات روّاد مكتبة قطر الوطنية وجنسياتهم وأجيالهم، ويتشابه الهدف: المعرفة والتعليم. يُمكن للزائر أن يلحظ استقطاب المكتبة الصغار بشكل لافت، وحرصهم على تصفّح الكتب المطبوعة، متغلّبين بذلك على تطوّر تكنولوجي هائل أخلّ في العلاقة التقليدية بين الورق والقرّاء.

أكثر من مليون كتاب وموسوعة ومرجع معرفي يُغني رفوف المكتبة. سنوات من العمل الهادف في قلب المدينة التعليمية بالعاصمة الدوحة، منذ نشوء الفكرة عام 2012، أنتج عام 2018 واحدٌ من أهم الصروح الثقافية في المنطقة.
 


المكتبة واحة للتواصل والتلاقي وتبادل الثقافات، فقد استقبلت العام الماضي نحو مليون زائر من داخل قطر وخارجها، وخصوصاً من الرواد الأجانب، ممّن وجدوا فيها مصدراً معرفيّاً موثوقاً، وهمزة وصل بين الحضارات الشرقية والغربية.

وفلسطين حاضرة في المكتبة الوطنية، التي لم تغب عن وجدان قطر وأهلها. خُصِّص لها ركنٌ يرفع صوتها ويتحدّث عنها باسمها، وعن تاريخها وثقافتها. وبعبارة "اقرأ عن فلسطين"، تدعو المكتبة زائريها إلى الاطّلاع على الأرض المعذّبة وأهلها، وسط حرب مستعرة منذ أشهر.
 


إلى ذلك، تجمع المكتبة فئات المجتمع والمراحل العمرية على تنوّعها، وتُلبّي مختلف الاهتمامات والأذواق. تضمّ كتباً يصعب على الزائر حصر محتواها: من الروايات الأدبية، العلوم، التكنولوجيا، الفلسفة والأديان، التاريخ العربي والأوروبي والأميركي، الجغرافيا، العلوم الإنسانية، السياسية والقانون والفنون والموسيقى... وغيرها من الأقسام الغنيّة بآلاف الإصدارات القديمة والحديثة لأهمّ الكتّاب والمؤلفين حول العالم.

ولم تغفل المكتبة أيضاً عن إنشاء مساحة تفاعلية خاصة بالأطفال، ممّن يتلقّفون اليوم الخطوات الأولى نحو المعرفة، فكانت فكرة "وقت القصة للأطفال" داخل مكتبة خاصة لهم تضمّ إلى جانبها قسماً خاصّاً لليافعين على حدّ سواء.
 


كتب إلكترونية ورقمية

صحيح أنّ العلاقة الوثيقة بين الكتاب والقارئ تُستمّد من الإحساس التواصليّ بالورق، إلّا أنّ التطوّر التكنولوجي في السنوات الأخيرة فرض نفسه على المشهد، ما دفع القيّمين على مكتبة قطر لإطلاق الكتب الإلكترونية، تماشياً مع متطلّبات السوق وتبدُّل اتّجاهات القرّاء.

فإلى جانب المصادر التقليدية للكتب، بات لدى مكتبة قطر الوطنية مصادر رقمية، وأكثر من 500 ألف مادة إلكترونية مسموعة وصوتية، تتنوّع بين الكتب والدوريات والصحف وغيرها من المواد. كما تُتيح عضوية المكتبة للزوار بتصفّح المصادر المختلفة للمطبوعات كلّ بحسب احتياجاته، والولوج إلى المكتبة إلكترونيّاً بخدمات مجانية ومفتوحة غير مقيّدة.
 


المكان المعرفي هذا يُمكن وصفه بـ"متعدّد الأوجه". إذ تقول غادة ناصر المولوي، مسؤولة العلاقات العامة والتسويق في المكتبة، في حديث لـ"النهار"، إنّ ما يُميّز المكتبة في قطر عن غيرها هو أنّها "مكتبة وطنية وعامة وبحثية، وبأقسام عديدة، وقد أضيفت إليها المكتبة التراثية مؤخّراً، في إشارة إلى أهمية التراث بالنسبة لقطر، وسعيها الدائم للمحافظة على تاريخ الدولة والمنطقة العربية والخليجية".
 
 
تصميم فريد للمكتبة

وُلِدت فكرة تصميم مبنى المكتبة من أهمية شعور القارئ بالراحة والانسجام. فلا بدّ لمكان المطالعة والدراسة أن يكون مؤاتياً لحاجات الزائر النفسية والسلوكية والمعنوية.

يَقع المبنى على مساحة شاسعة تصل إلى 45 ألف متر مربع، بتصميم فريد يُتيح جوّاً من الهدوء للزائرين خصوصاً أنّه يسمح للضوء الطبيعي بالتسلّل إلى المكان، ما يضفي إحساساً بالراحة للقراءة والمطالعة.
 


تشرح المولوي لـ"النهار" رؤية المصمّم المعماري الهولندي ريم كولهاس الذي نفّذها بأسلوب يضفي جمالية هندسية وروحية على المكان. "التصميم جاء من خلال ورقتَين متطابقتَين فوق بعضهما البعض ومسحوبتَين من الجوانب إلى الأعلى، بما يقضي جمالية المكان المفتوح ويسمح بدخول الإضاءة الطبيعية ونور الشمس من الخارج. أمّا الفراغ في ما بينهما، والذي يُشبه شكل الصدفة، فيُشكّل الفضاء الداخلي المفتوح من المبنى".
 
كما يوفّر الشكل الهندسي المتناسق للأرفف الضخمة في المكتبة توازناً بين المحتوى المعرفي وسهولة الوصول إليه من جهة، والمحافظة على تنسيقه وترقيمه وأرشفته وصونه من جهة أخرى.
 


أمّا المكتبة التراثية التي تقع في قلب مكتبة قطر الوطنية، فتنفرد بجدرانها البنيّة وسط بياض المرافق الأخرى، الأمر الذي يلفت انتباه المارّة نحو عمق الأرض. يضمّ هذا القسم كتباً ومخطوطات ومجلّدات وصوراً تحكي مسار التاريخ القطري والمنطقة العربية، وشكّل انضمامه إلى المكتبة الوطنية محطّة مهمّة بجمع مصادر العلم والتعليم الحديث مع أصول الماضي.
 

 
رؤية مكتبة قطر الوطنية

يجتمع الزائر العربي والأجنبي للمكتبة على قيم عامّة وأساسية، وأهمّها إتاحة التعليم بأسلوب متكافئ للجميع، وهذا ما يصبّ في جوهر الرؤية التي سعت قطر لتحقيقها في المشروع.

التنوّع العرقي داخل أروقة المكتبة يؤكد على أهمية المساواة واحترام حقّ الجميع بالوصول إلى المعلومة. وما عزّز هذه الميزة، الورشات العامة والندوات والمحاضرات التي تُنظّمها المكتبة شهريّاً، بمشاركة دولٍ ومنظّمات عديدة، تزامناً مع مناسبات وطنية لهذه الدول، أو احتفاءً بتقاليد ومحطات تاريخية، وآخرها الشراكة مع دولة إندونيسيا هذا الأسبوع.
 


تجربة مكتبة قطر الوطنية الناجحة يُمكن أن تُشكّل نواة لمشاريع ثقافية مستقبلية في المنطقة العربية الزاخرة بالفعاليات والصروح المعرفية، والحاضرة دوماً لصقل المواهب والإبداع التميّز.
 

اقرأ في النهار Premium