النهار

لفنّ الشارع بتوقيع مهرجان البستان تمرّده في اللحن والرقص والأوبرا وعشق بيازولا!
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
لفنّ الشارع بتوقيع مهرجان البستان تمرّده في اللحن والرقص والأوبرا وعشق بيازولا!
من الحفل ( تصوير نبيل إسماعيل)
A+   A-
كل ما تقدّمه الفنون من موسيقى، غناء أوبرالي ورقص هو انتصار على الموت. هذا ما جمعه صباح الأحد مهرجان البستان الدولي في محطة "فن الشارع" جمعته مجدداً مع ناسه على كورنيش المشاة على المنارة، كعادته مانحاً للمارة فرصة سخية جداً تبعده عن الضجر والجفاف المحيطين بنا لتذوّق موسيقى عريقة جداً وبعض المختطفات من الحفل المنتظر لكل من العازف المتمرس على آلة الباندونيون ماريو ستيفانو بياترودرشي والملحن الموسيقي المتألق خالد مزنر مساء الثلثاء المقبل.

ضيف اللقاء على المنارة آستور بيازولا الغني عن التعريف ومؤلف رائعة لبيرتانغو في ريبرتوار التانغو، رغم أن الحفلة القصيرة طبعاً حملت عنواناً لافتاً أن "الحفل ليس برقصة تانغو".
 

وقفنا ننتظر بدء الحفل مستسلمين لأشعّة شمس تركت في حنايا نفوسنا نقطة نهاية لكل شيء، لكل ما يرهقنا من واقعنا الصعب في لبنان.

دقائق ويطل بياترودرشي مع آلة الباندونيون ليعزف بإيقاع كوسموبوليتي متوقفاً في إيقاعه الواسع المدى عند حقبة كورونا طارحاً عبر موسيقاه نبرة يخفق عليها القلب ويتسارع فيها التوق الى الحياة، الى معنى للاستمرار في الحياة نفسها...

بماذا يبوح باندونيون بياترودرشي؟ يفشي عن كل شيء عن الوحدة القاتلة للبعض والتسلح بالصلابة في الوحدة نفسها.
 
هل سمعتم الوتر يعلو كأنه ينذر بغضب أو اعتراض، كأنه يرصد انفعالاتنا الصامتة في أرجاء نفوسنا المثقلة بالهموم؟ دقائق، ويدعو بياترودرشي أعضاء الفرقة الموسيقية للانضمام الى الحفل الموسيقي وهم العازفون مكرم أبو الحسن (لبنان) على آلة الباس المزدوج، ريبال ملاعب (لبنان) على آلة الفيولا أو الكمان المتوسط، كلارا جيرمون (فرنسا) على آلة التشيلو، تانيا سونغ (سلوفاكيا) ومريم كانبوباسو (إيطاليا) على آلة الكمان مع صوت السوبرانو ناديزهدا نستيروفا Nadezhda nesterova الذي أيقظنا من خدرنا، بأداء مفعم بالثقة محرّكة يديها وحواسّها بمشاعر شجيّة كأنها تؤدي دور بطولة من خلال هذا الغناء الأوبرالي، الذي توغل في أروقة جمهور كورنيش المنارة.
 
 

في الحقيقة، عكست الموسيقى والغناء وحتى الرقص شوقاً كبيراً لبيازولا، ومدرسته المعتنقة للحداثة والمحررة للتانغو والتواقة إلى لغة تلاقي الجسدين وإعطاء معنى للتفاعل بين الأيدي وتشابكها وتمايل القوائم بين الثنائي الحالم في كنف التانغو.

لكن هذا اللقاء ليس بحفل تانغو، رغم أن أعضاء الفرقة ومغنية الأوبرا السوبرانو ناديزهدا نستيروفا حيوا بيازولا ببعض مؤلفاته منها "ريناسيرتو" وبعض مقتطفات من الحفل المنتظر الثلثاء بفارغ الصبر.

ماذا رصدت عيوننا وقلوبنا من هذا الحفل؟ عندما ينهي العازفون مقطوعة، ترتسم على ثغورهم كما الحال مع العازف المتمرس ريبال ملاعب بسمة عريضة، كأن الموسيقى متنفس حياتهم الذي يستسلمون له طوعاً...

شارك راقصون وراقصات من فرقة بيروت للباليه المعاصر في تقديم لوحات كانت تبرز تمايلاً بين أجساد تواقة للحرية، للحب، للتناغم، لرقص يقارب التانغو بالتصرف.
 
 


في الحقيقة، دمج الراقصون بين الباليه المعاصر والتانغو ليفوح عطر أجسادهم التواقة لخلق أبجدية متناغمة مع موسيقى بيازولا، أي مع انتقالهم إلى رقص تانغو على أنماطهم العصرية لرائعة "لبيرتانغو" لبيازولا و بالتصرف، التي أدتها المغنية الأوبرا ناديهدا نستيروفا كأنها أمام مشهدية مسرحية رائعة لا تنسى.

غرق المارة في رحاب عالم الموسيقى والرقص والغناء الأوبرالي ليدركوا أن الفنون هي رديف للفكر الإنساني، للفرح الآتي إلينا لا محال!

الصور بعدسة الزميل نبيل اسماعيل:
 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium