الكورنيش البحري في بيروت (تعبيرية- حسام شبارو).
رياض بيدس
الأحد
كان ينتظر غيمة تحمل مطرا غزيرا. تدريجيا ظهرت غيمة داكنة سوداء جدا. غمره فرح: سيسقط مطر لم يكن يحلم به أحد. راوح مكانه عبثا ينتظر المطر، لكن الغيمة ابتعدت وبدأت السماء تظهر عادية. استاء جدا. أدار ظهره وبدأ مسيرة العودة الى دياره، وعزّى نفسه: ربما يسقط مطر الغيمة في مكان آخر. أعجبته الفكرة وحمل عبق العشب والأرض معه.
الإثنين
الشمس شاهقة. طقس متقلّب. لا بأس. يزرع نظراته شبه التائهة في الأعشاب الخضراء والزيتون. هل ثمة شجر آخر أجمل من الزيتون؟ ربما، أجاب نفسه متشككا. فلكل شخص شجرته الأثيرة. تذكّر ما سمع عن الأشجار. هذا يحب الزيتون وذاك الصنوبر وآخر ربما السرو. لكن الزيتون كان دائما الأكثر اثارة للإعجاب من الأشجار الأخرى. يقترب من شجرة زيتون معمّرة ويضع يده على شرشها القديم ويقول: ليتني كنت زيتونة!
الثلثاء
يمر بجانب البيت المهجور. كل زجاج نوافذه مكّسر، كما أن أبوابه مخلّعة ومعلّقة برزّة آيلة للسقوط. الهجر والتقادم يبدوان عليه بوضوح شديد جدا ولا يحتمل أي تأويل. خراب بخراب. لِمَ تركه أصحابه؟! هل أجبرهم اليهود على ذلك؟ لا يعرف. يستفزه الخراب العظيم الناشب أظفاره في هذا البيت. ربما لأنه يخاف ولا يريد أي تشابه بينه وبين حالة هذا البيت الذي يوحي بخراب عظيم. يهز رأسه نفيا: خراب البيت لا يعكس أي خراب خاص أو عام. إنه بخير ويسرّع خطواته: يجب أن أتجنّب هذا البيت. ثمة بيوت أخرى في حال أفضل. في الطريق يبدأ البيت بالزوال من رأسه. يتساءل: أين يكون أصحابه؟! ولا يجد أثرا لأي جواب.
الأربعاء
شعر بتعب خفيف مع عرق غزير على جسده. بعد قليل يصل الى المقهى الذي يرتاده أحيانا. ينفي فكرة المقهى: من الصعب ان تدخل مقهى، زبائنه أغراب. من هو الغريب؟! حسب العرف هنا، هو الغريب. لكن في هذه الحرب المرعبة يشعر أنهم هم هم باتوا الأغراب وليس هو.
الخميس
يجلس على التراب في فيء شجرة زيتون وارفة. يخاطب نفسه: هون أهون من أي مقهى. على الأقل هنا يستظل الزيتون، وحفن بيده كمشة من تراب الأرض. رائع. هذه الأرض مرشومة بأشجار الزيتون الكبيرة والصغيرة منها أيضا. هذا يعني أنها أرض عرب من عظم الرقبة. لكن للأسف كان عليه أن يحمل معه قنينىة ماء وربما خبزة مدهونة بزيت وزعتر. خبزة الزيت والزعتر في البحر مع النسيم العليل وهنا أطيب حتى من اللحم المشوي.
الجمعة
يخرج من الطبيعة الجميلة الغنّاء ويسلك الطريق العادي. سيارات سريعة تمر به. لا أحد يقف. أساسا هو لا يريد أن يقف له أحد بسيارته. تكفيه قدماه. بين حين وآخر ينظر خلسة الى السيارات الفخمة التي لا تعجبه. أنه لا يريد أن يشعر بأنه يريد: "ترمب" (هيتش هايك)، كما لا يريد أن يتحمّل جميلة أو حسنة أحد بالمرة.
رصيف الشارع المسفلت مليء بالحصى: من الصعب المشي عليه بتوازن، مع ذلك يتابع السير. يحتار: ماذا يحدث لو مشى كل هذه المسافة الطويلة وزاد عليها؟! ما من جديد، فلطالما مشاها سعيدا جدا أحيانا وخصوصا أن النفس تفتح على الحياة بسبب المشي. كيف يستطيع أن لا يعشق المشي وكل مشتقاته؟
السبت
في اليوم السابع تعب الرب والبشر من الحروب والدمار والقتل والتهجير.