ليليان يمّين
"ألصمت أولى بهذه العاطفة، ولكن لا بد من الكلام، فلا بأس".
مشينا خلف الزفّة الشعبية إحتفاء بالقادم وصولاً إلى مسرح المدينة، كان ذلك منذ ثماني وعشرين عاماً، حينها كان الوقت عندي يدور لكن خارج عقارب الساعة، كنتُ وزملاء لي من عشاق فكره وقد أحببناه، مرّة لأننا أحرار ومرّة لأننا نغار من كبار أحبوه، أتينا لنحتفل بمجيء مَن يرفع الحياة الى تألقها الإنساني والإبداعي، فكتاباته اختراع آخر للحياة و توسيع أعمق لمعنى هذه الحياة. كثيرون احتشدوا بحيث غصّت القاعة بهم فحملت الصورة المشهد إلى الخارج عبر تمديدات وتوصيلات نقلت الكلمات المرحبة والخطابات حول نصه العالمي والقراءات من نصوصه. لكن كلّ ذلك رغم عمقه كان وقتاً ضائعاً بانتظار صوته. كان مشهده على قدر كبير من الجمال وقد زادته القبعة البيضاء فرادة، قابضاً بيمناه على يد الكرسي وبيسراه على الورق المحاكة أسطره من حبر الأيام، واضعاً ماءه أمامه، راسماً اللحظة القصوى التي سبقت الصوت. عيون أدمعت، حناجر أطلقت الصرخات وأسامي أعماله، أما نحن مَن افترشنا الممرات واتكأنا على الجدران رحنا نطبع القبل على أيادينا ونرسلها له منمنات حب وكانت أولى كلماته: "الصمت أولى بهذه العاطفة، ولكن لا بد من الكلام، فلا بأس". وراح سعدالله ونّوس يتلو كلمته الأشبه بنشيد حياة وفعل الإيمان "إن التخلي عن الكتابة للمسرح، وأنا على تخوم العمر، هو جحود وخيانة لا تحتملها روحي، وقد يعجلان برحيللي." نصغي ونتبادل الخيبة عن"يوتوبيا أن نحيا في عالم واحد متضافر، تتقاسم شعوبه خيرات الأرض دون غبن، وتزدهر فيه إنسانية الإنسان دون حيفٍ أو عدوان. ولكن يا للخيبة". نصغي ونتبادل الحلم، "فالمسرح هو الذي سيدرّبنا، عبر المشاركة والأمثولة، على رأب الصدوع والتمزقات التي أصابت جسد الجماعة".نصغي لينهي كلمته فلا ينطفىء ضوء "إننا محكومون بالأمل. وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ".
لقاء عالق في الذاكرة تاركاً بصمته في وجدان كل من شارك يومها في تكريم المسرحي والناقد سعدالله ونّوس في بيروت آذار ١٩٩٦ في يوم المسرح العالمي.