في ساعة ونصف ساعة أو أكثر بقليل، عرضت المهندسة المعمارية آمال أندراوس التصاميم الهندسية والسياسات "الصديقة" للإنسان والثقافة المدرجة في مشروع بناء متحف بيروت للفن الحديث والمعاصر (بِما) الكائن على طريق الشام، في نقطة تلاقٍ وبحث عن تفاصيل المدينة، تكمن فعلياً في قرب المسافة بين موقع بناء المتحف هناك في قطعة أرض قدّمتها جامعة القديس يوسف والمتحف الوطني في بيروت مثلاً أو في تقاطع طريق رمزية لهذا المفترق، الذي أمامنا، لتضميد جراح الفظائع المرتكبة في حق الوطن وناسه...
يتمايز هذا المشروع الريادي بأمرين أولهما أن القيّميين عليه يتجرّؤون على التحدّي الممزوج بالحلم، وثانيهما أن الواقع المرير في لبنان لم يردع جمعية بيروت للفن ومجلس أمنائها عن السعي لتوفير قسط كبير من موازنة بناء المتحف المتوقع أن ينتهي في النصف الثاني من سنة 2025.
في مكاتب "بِما" في شارع سرسق، التقت أندراوس مجموعة من الصحافيين للإحاطة برؤية سبّاقة لهذا المتحف، الذي يحاكي من خلال طرح بنائه النمط الحديث والمتطوّر لدور المتاحف، ولا سيما خلق بيئة هندسية وتربوية وثقافية دامجة للمواطن تدفعه طوعاً لزيارة المتحف واعتباره من الحاجات الأساسية في حياته...
قبل عرض وقائع عرضها للمشروع، لا بدّ من التوقف عند المكانة المرموقة لأندراوس في عملها في مؤسسة WORKac التي أسّستها مع شريكها دان وود، والتي ذاع صيتها في مشاريع نموذجية في أطراف العالم ومنه في المكسيك، نيويورك وصولاً الى منتجع في البترون منفتح على البحر وروّاده، وهي تلتزم الهندسة المعمارية التي تشغل الاهتمامات البيئية والاجتماعية مع التركيز الخاص على المشاريع العامة والثقافية والمدنية التي تعيد ابتكار كيفية عيشنا وعملنا ومشاركتنا عبر مختلف الثقافات والسياقات، مع تمايزها بمسيرة أكاديمية مرموقة كعميدة فخرية في كلية العمارة في جامعة كولومبيا ومستشارة لرئيسها في التغيّر المناخي، ما دفع الى طرح بداية رسالة المتحف التواق الى إعادة الترميم في محترف خاص تابع للمتحف لمجموعة من الأعمال الفنية، من وزارة الثقافة ومؤسسات رسمية، لتكون من المجموعة الدائمة في المتحف عند بنائه.
بالنسبة إليها، "الأولوية هي باستنهاض الذاكرة وتحقيق مصالحة بنّاءة مع الفن الحديث مع أن "بيت القصيد" هو تعزيز الورش التربوية للأطفال داخل المتحف كمساحات لقاء ولعب في ظل غياب أي مساحة لذلك، مع العلم بأن جمعية بيروت للفن تقوم منذ أعوام بجولات على المدارس الخاصة والرسمية لتعزيز حصص الرسم فيها، ما حفز على توقيع اتفاق شركة مع وزارة التربية لنشر هذه الثقافة الجديدة في هذا القطاع...
ما القيمة المضافة لهذا المشروع؟ برأي انداروس، "أن هذا المتحف صُمّم بطريقة مساحة مفتوحة على الطوابق كلها، ما يدفع الزائر للشعور بأنه في مكان مألوف قد يشبه مسكنه، إضافة الى أنه يمكن للزائر وللمار على الطريق أن يتابع الحركة الدينامية في الطوابق ما قد يحفزه على زياراته دورياً".
"الأهم"، وفقاً لأنداروس، "أن هذا المبنى يراعي المعايير الصديقة للبيئة واستخدام الطاقة المستدامة، مع أهمّية تطبيق "لامركزية" المتحف، أي استحداث نشاطات في المناطق اللبنانية ليكون أهلها على تماس بالنشاطات الفنية والتربوية وما يحدث في المبنى على طريق الشام".
ممّ يتألف المبنى؟ أشارت الى "أنه يضمّ 6 طوابق علوية إضافة إلى الطابق الأرضي المؤلف من بهو المدخل، متجر المتحف ومقهى وكذلك القسم الإداري، ويضم الطابق الأول محترف ترميم لهذه المحفوظات الفنية وقسماً توجيهياً تثقيفياً وتربوياً للأطفال والراشدين وكل فئات المجتمع، وصولاً الى كل من الطوابق الثاني والثالث والرابع، وهي عبارة عن صالات عرض للمعارض الفنية والمجموعة الدائمة فيما يجري البحث في تخصيص الطابق الأخير للمبنى لتنظيم نشاطات فنية على اختلافها مع إمكانية استحداث أرشيف ومكتبة فيه ملمّة بالبحوث الفنية، فضلاً عن وجود طابق سفلي لتخزين المجموعة الدائمة للأعمال الفنية مجهز بنظام يراعي الشروط التقنية والعلمية للمحافظة عليها مع توفير 4 طوابق مخصّصة لمواقف السيارات".
من جهتها، تحدّثت المسؤولة عن تقويم الأعمال الفنية واختيار "المخوّلة" للترميم، جوليانا خلف، عن دورها وفريق عملها في التدقيق في المحفوظات الفنية التي وصل عددها إلى نحو 2400 وتم اختيار نحو 600 منها ليتم ترميمها، وقد صُنّفت الى مراحل عدة منها ما يعود الى عصر النهضة أو ما بعدها"، مشيرة الى أن "هذه الأعمال تعود الى عباقرة طبعوا تاريخ الفن اللبناني كداوود قرم، مصطفى فروخ، صليبا الدويهي وسواهم...".
توقفت الناقدة الكبيرة مهى سلطان عند ضرورة تشكيل لجنة من متخصّصين أكاديميين ونقاد فنّيين لدراسة هذه الأعمال الفنية والتدقيق فيها، إضافة الى ضرورة ترتيب هذه الأعمال وفقاً للتسلسل التاريخي للفن وصولاً الى إكمال المجموعة بأعمال الفنانين العباقرة الغائبين عن مجموعة وزارة الثقافة.
[email protected]
Twitter:@rosettefadel