النهار

سارة ضاهر تحكي تألُّق الكفاءات... بصمة لبنانية في "المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة"
بتول بزي
المصدر: "النهار"
سارة ضاهر تحكي تألُّق الكفاءات... بصمة لبنانية في "المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة"
سارة ضاهر.
A+   A-
يُضفي لبنان بصمته الثقافيّة في مسار طويل لتأريخ اللغة العربية، انطلق من إمارة الشارقة، التي تحتضن سنويّاً واحداً من أهمّ معارض الكتب عالميّاً، وتُشكّل محطّة أساسيّة للكتّاب والمفكّرين العرب.

خلال فاعليات الدورة الـ40 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، وُصِف مشروع "المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة" بـ"أكبر إنجاز ثقافيّ في هذا القرن"، ويمكن اعتباره "مشروع أمّة بأكملها"، يهدف إلى تأريخ استخدام الكلمات وتطوّر دلالاتها عبر العصور، ما يُعَدّ مرجعاً لأيّ شخص يستخدم اللغة العربية ويحتاجها في تعاليمه ومحادثاته، وفي بناء مجتمعه ومستقبله.
 
وَحّد مشروع "المعجم التاريخيّ للّغة العربيّة" جهود العالم العربي، وأثبت لبنان، بتجديد شراكته للسنة الثانية توالياً، مع الشارقة، أنّه بلد الحرف والكلمة، وأنّ الكفاءات اللبنانية متى مُنحَت فرصة حقيقيّة، أزهرت، وتفوّقت، وتركت أثراً قيّماً ومجهوداً يُرتقى به في ميدان الثقافة.
 

نتحدّث عن نتاج عمل عشر لبنانيّين متخصّصين في اللغة العربيّة، يشكّلون فريقاً مبدعاً يُشارك في مشروع "المعجم التاريخيّ"، وهو مشروع قوميّ يخصّ كلّ الدول العربية، أطلقه الشيخ سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة، عام 2020 بمشاركة 301 شخص بين خبراء ومحرّرين ومشرفين. وبالتالي، "يُعَدّ الحضور اللبنانيّ دليل فخر كبير ومساهمة أساسيّة ومهمّة لإنجازه"، وفق مؤسِّسة ورئيسة "مجمع اللّغة العربيّة في لبنان" الدكتورة سارة ضاهر.
 
هذ المجمع، الذي تأسّس عام 2017 تحت مسمّى جمعية "بالعربية"، هو مشروع خاصّ جاء ليسدّ الفجوة التي تركها تأسيس مجمع رسمي للبنان عام 1920، والذي لم يدُم سوى عامين، وتُرِك حينها لمصيره.
 
انطلق عمل الفريق اللبنانيّ إلى الشارقة مع باقة مِن المتخصّصين باللغة العربية هم: البروفيسور جرجورة حردان، والدكاترة: نورا مرعي، دارين نصر، فاطمة مطر، أحمد نزّال، جيهان قاسم ونزيهة الحسن، إضافة إلى الأساتذة: غلاديس حرب، إكرام عبدالفتّاح ويسرى بيطار، وقد طلب لاحقاً المسؤولون عن "المجمع التاريخي" في الشارقة زيادة عدد أفراد الفريق، وسلَّم لبنان السير الذاتية الجديدة للأساتذة بانتظار الردّ. كما يتطلّع لبنان لاحتضان مشاريع خاصة لـ"المعجم التاريخي للغة العربية" بالتعاون مع الشارقة في المستقبل القريب.
 
تشرح ضاهر لـ"النهار" تفاصيل المشروع بالقول: "لم يكن لدينا معجماً تاريخياً على غرار باقي اللغات، إلى أن اتّخذ الشيخ القاسمي قراراً بإطلاقه، فشكّل نقلة نوعية في تاريخ اللغة، وهذا العمل الجماعي يشمل معظم الدول العربية، يشترك فيه الجميع ويعود إلى الجميع".

تنصبّ جهود المتخصصين باللغة اليوم على إنجاز المجلّدات، ومع إعلان ولادة 19 مجلداً جديداً في افتتاح الدورة الـ41 من معرض الشارقة، تضمّنت أربعة أحرف جديدة هي "الحاء والخاء والدال والذال"، ليصبح عدد المجلدات 36 حتى الآن، ما يعني إنجاز الأحرف التسعة الأولى من الأبجدية العربية.

تأريخ اللغة ليس بالأمر السهل، وهذا يُعدّ مُنْجَزاً معرفيّاً غير مسبوق في التاريخ العربي، سيُحقّق تأريخاً، للمرة الأولى، لمفردات اللغة العربيّة لنحو 17 قرناً من تاريخها الحافل.
 
 

كيف يتم ذلك؟ تجيب ضاهر أنّ العمل يرتكز على مصادر الكلمات، ودلالاتها ومضامينها، في حين تنتقل فرق العمل اللبنانية والعربية بعملها من حرف إلى آخر.
 
في شرحها لـ"النهار"، تُقدّم ضاهر للقارئ مثالاً على كلمة "كتب" التي يعود مصدرها إلى كلمة "الكتابة". وتقول: "نبحثُ عن المرّة الأولى التي استُخدِمت فيها هذه الكلمة، وتكرار استخدامها، وكيف تطوّرت دلالات الكلمة على مرّ العصور، فيما قد يتطوّر مفهومها لاحقاً من الورقة والقلم إلى الكتابة عبر الحاسوب".
 
من أسمى أهداف "المعجم التاريخيّ" استقطاب الجيل الشاب الغارق في الفضاء الإلكتروني مع تسارع التطوّر التكنولوجيّ خلال السنوات الأخيرة، وهو ما دفع القيّمين على المشروع لإطلاقه إلكترونيّاً ومجانيّاً للجميع (www.almojam.org)، ويمكن الولوج إلى الموقع والبحث عن أيّ كلمة ومعناها ودلالتها بسهولة، ويمكن ذلك أيضاً عبر مسح "QR code" على الهاتف المحمول أو/ ومن خلال التطبيقات الإلكترونية.

جُلّ ما يهمّ "مجمع اللغة العربية في لبنان" اليوم هو تعزيز مفهوم اللغة لدى الشباب والأطفال، وذلك بعدما أجرى دراسات وإحصائيّات كشفت المشكلة الأساسية في المجتمع اللبناني لدى هاتَين الفئتَين. تلفت ضاهر إلى أنّ "عملنا يرتكز على استقطاب الشباب من خلال الإضاءة أكثر على اهتماماتهم وتطوير المواضيع الخاصّة باللغة العربية وتسليط الضوء على مواهبهم، كالغناء والابتكار والإبداع المهني، فنتعاون معهم عبر التواصل باللغة العربية الفصحى"، مؤكدةً أنّ "اللغة ليست لغة التواصل الاجتماعي الحالية، بل تقتصر على المجالَين الأكاديمي والمهني وهذا ما يعمّق المشكلة اجتماعيّاً".

وتضيف: "لمسنا صدى وتفاعلاً كبيرَين من الشباب، إضافة إلى إجراء اختبار كفاءة باللغة العربية الذي يساعد على تسليط الضوء على كلّ من يستخدم اللغة العربية في مهامه الوظيفية، وعليه أن يكون متمكّناً منها".
 
جهود "مجمع اللغة العربية في لبنان" الخاصة، على مرّ السنوات، لاقت ترحيباً لافتاً من وزارة الثقافة اللبنانية، برغم افتقار البلد لمجمع رسمي كعدد من الدول العربية المجاورة، التي تعتمد أيضاً على الكفاءات الخاصة. وتؤكد ضاهر لـ"النهار" أنّ "وزارة الثقافة تعمل لتعزيز دور بيروت ثقافيّاً، وقد عملنا سويّاً في مشاريع عديدة ورعت الوزارة عدداً من الأنشطة وهناك تعاون مستمرّ معها".
 
إذن، يرفع "المعجم التاريخيّ" من شأن اللغةالعربيّة ويُكرّمها، فيما يجهد لبنان لاستعادة دوره الثقافي، ليبقى بلداً جامعاً للعلم والمعرفة، وبوّابة للكتاب العربيّ.
 
 

اقرأ في النهار Premium