الاخت جيرمين بشارة*
تم الإعلان عن بدء الاحتفال باليوم العالمي للتعليم في عام 2018، وخصص يوم 24 كانون الثاني للاحتفال به. وعلى الرغم من الوعي لاهمية في حياة البشر، الا ان افكار الحداثة وربط التربية بالتنمية المجتمعية، دفعت الى تخصيص يوم عالمي للتعليم، لدفع المشاريع الانسانية قدما. فقد اعتبرت الامم المتحدة، أن التعليم هو المفتاح للحد من الفقر، ومعالجة وفيات الرضع والأمهات، والقضاء على الزواج المبكر، وتحسين الصحة والدخل والنمو الاقتصادي، وطائفة واسعة من التأثيرات الأساسية الأخرى. هذه القضايا والاهداف رفعت التعليم الى ما هو اعلى مرتبة من مجرد تلقين دروس وحفظها وتفريغها للحصول على علامات وتاليا على وظيفة. الوظيفة لم تعد هدفا في ذاتها، في عالم يطمح الى الابداع والابتكار اللذين يؤمنان القدر الاكبر من المداخيل ومن الفائدة المجتمعية والاقتصادية.
هكذا صار التعليم العمود الفقري لبناء المجتمع والدولة. وباتت العائلات والمجتمعات تسعى اكثر للحصول على التعليم الذي يعد وسيلة للخروج من الفقر ونقطة انطلاق للفرص نحو حياة أفضل وأكثر كرامة.
وظهرت حقيقة مفادها أن الكثير من الناس الذين تخلفوا عن الركب في التعليم، وجدوا تفاوتات عميقة في مجتمعاتهم وتعرضوا للإقصاء داخل بلدانهم واينما حلوا. وهذا الواقع يعيق التقدم نحو تحقيق خطط التنمية المستدامة لعام 2030.
والتعليم الذي يقود الى هذا المسار المستقبلي، يشترط الجودة. والجودة هذه تفترض وجود امكانات كبيرة، بشرية وتكنولوجية، يجب الاستثمار بها لبلوغ النتيجة المرجوة.
في دراسة اممية انه ثمة حاجة الى 69 مليون معلم مؤهل لتعميم التعليم الابتدائي والثانوي بحلول عام 2030. ويجب تقدير مهنتهم ودعمها من خلال التدريب المهني والأجر المناسب وظروف العمل اللائقة والاعتراف الاجتماعي. يحتاج المعلمون إلى مناهج موجهة للتعامل مع واقع وتحديات عصرنا، من القضاء على الأمية الرقمية إلى تعزيز التعليم من أجل التنمية المستدامة. هم بحاجة إلى المهارات اللازمة لتعزيز التفكير النقدي وتحدي الأعراف والقوالب النمطية الجنسانية من خلال طرق التدريس التحويلية. يحتاج المعلمون إلى التعرف على النتائج في مجالات العلوم المعرفية لإثراء ممارساتهم.
اين لبنان من كل هذا؟
لا يغيب عنا كتربويين هذا الوعي لاهمية التربية ولتحدياتها، لكن هذا الوعي يصطدم بحائط سميك يختلط فيه بعض الجهل، بنقص الامكانات الكفيلة بتطوير المعلم، لينقل هذا التطور، بل ليواكب المتعلم. فلبنان الذي عرف بتقدمه في مجال العلوم، والذي رغم كل الاحداث والحروب، تمكن من المحافظة على المستوى التعليمي الرفيع، تواجه مدارسه حاليا، ما يشبه استقالة الاهل من العملية التربوية التي لا تكتمل من دونهم، ولا عذر في الظروف المحيطة، ومثلهم الدولة التي لا تعي ان الاستثمار في هؤلاء الاولاد على كل الصعد، هو الطريق الى المستقبل. اضف الى ذلك عزوف كثيرين من الاكثر كفاءة عن مهنة التعليم، خصوصا في اعوام الانهيار المالي والاقتصادي عندما هجر كثيرون القطاع الى مجالات اخرى ودول اخرى. ويستمر الباقون في ظروف معقدة، اذ لا يمكن المؤسسات ان تضاعف برامج التأهيل، والتدريب على وسائل العصر، ولا ان تنصفهم ماليا.
هذا الواقع يهدد التربية في لبنان، لان العالم، والقريب منه قبل البعيد، يتوثب بخطوات جبارة، ما يستدعي من كل المعنيين، التعمق بالتفكير، واعادة الاعتبار الى التربية كعملية مجتمعية تشاركية، وان تخصص لها الدولة الامكانات اللازمة، للمدارس الخاصة، كما الرسمية، لتتمكن من تطوير مناهجها، وادخال العلوم الحديثة، من الفضاء والتكنولوجيا والبيئة والاعمال، لتنشئة اجيال جديدة قادرة على المنافسة في سوق عمل يصير اكثر تطلبا.
*مديرة ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيّات – كفرشيما