النهار

"قيامة ابن الإنسان"احتفالية الكونسرفتوار الراعي: هوّةٌ سحيقة بين عالمَي الفن والسياسة
المصدر: "النهار"
"قيامة ابن الإنسان"احتفالية الكونسرفتوار 
الراعي: هوّةٌ سحيقة بين عالمَي الفن والسياسة
احتفالية بعنوان "يسوع ابن الإنسان" برعاية البطريرك الراعي.
A+   A-
تجلّت قيامة السيد المسيح في الصرح البطريركي برؤية مميزة هذا العام في عيد الفصح المجيد، في احتفالية بعنوان "يسوع ابن الإنسان"، برعاية البطريرك بشارة بطرس الراعي، وبدعوة من رئيسة الكونسرفتوار هبة القواس. أحيت الاحتفال الأوركسترا الوطنية للموسيقى الشرق_عربية بقيادة المايسترو أندريه الحاج، وكورس المعهد تحت إدارة عائدة شلهوب زيادة، بحضور مميز للفنان أنطوان وديع الصافي، وغناء الفنانين جوزيف عيسى وكاترين غالي، وبمشاركة ضيوف الشّرف الفنانَين القديرَين رفيق علي أحمد وجهاد الأطرش، والممثلة ديانا إبراهيم والشاعرة ماجدة داغر.

شاء الكونسرفتوار الوطني أن يكون الاحتفال في "كوبول" الصرح البطريركي، على قدر المناسبة العظيمة وابتهالاً بالعيد الكبير، فقدّم احتفالية موسيقية مشهدية مبهرة جامعة، عبر مسرحة نصوص من كتاب "يسوع ابن الإنسان" لجبران خليل جبران.

الفكرة المبتكرة والمشغولة بعناية وإبداع، من تصميم وإعداد المؤلّف الموسيقي المايسترو مارون الراعي.

استُهلّت الأمسية بمقطوعة موسيقية للمايسترو أندريه الحاج حملت عنوان "المساء"، في افتتاحية البرنامج الموسيقي الذي أبدع فيه القائد الساحر بالقيادة والتوزيع والكتابة الموسيقية.
تلت المقطوعة كلمة رئيسة الكونسرفتوار هبة القواس التي تضمنت الكثير من معاني العيد والروحانيات المرتبطة به ومما فيها: الفصحُ الماضي وقفْنا هنا، على هذا المذبحِ المقدّس، نتلو الصلاةً والترانيم، ونجدّدُ العهدَ والانتماءَ والإيمان بقيامةِ الوطن، بمشاركةٍ أولى للكونسرفتوار  منذ تأسيسه. عامٌ انقضى مذ وقَفنا هنا مُهلّلين لنورِ القيامة، ولبركةِ هذا الصّرحِ المهيب الذي شَهِد على قيامةِ الوطنِ الصغير مراتٍ كثيرة، لا بل كان قبَسَ القيامةِ بحكمةِ بطاركتِه ونضالهِم عند اشتداد المِحَن، فكان وما زال المرجعَ الوطنيَّ والحاضنَ الروحيّ للبنانَ الكِيان والرسالة، ولأبنائه التائقين إلى السلام.

ثم استُكملت الأمسية الفريدة بين الموسيقى والابتهال والأناشيد والمشهديات، في تزاوج فنّي لاهوتي راقٍ، بدءاً بطلبة الآلام (ليتورجيا مارونية) أدّاها بصوته الهادر الفنان جوزيف عيسى مع الفنانة ذات الصوت العذب كاترين غالي. وفي انتقال مدهش ومفاجئ من الإنشاد إلى التمثيل، كان دخول الفنان القدير رفيق علي أحمد على صوت الناي، بدور "راعٍ من الجنوب" إحدى شخصيات كتاب جبران "يسوع ابن الإنسان".

ومع الأوركسترا الشرق عربية وقائدها، عادت الأجواء الموسيقية مجدداً بمقطوعة "قمر 14" لأنطوان فرح، وتلتها أنشودة ا"للهم اسمع أقوالي" للكبير وديع الصافي بأداء مُجلَّ من نجله الفنان أنطوان الصافي.

لتتوالى الموسيقى مع مقطوعة "خريفيّة" للموسيقي الراحل وليد غلمية، ما نقل الحضور إلى الوتر الأعلى للتجلّي، قبل أن تعتلي المسرح الممثلة ديانا إبراهيم، مؤدّيةً باحتراف وتماهٍ مع نص جبران، دور "رفقة عروس قانا".

ولم يقطع السياق الموسيقي المنساب بسطوته الرقيقة على الأرواح التائقة، سوى صوت الممثل القدير جهاد الأطرش، الذي أضاف بحضوره الكبير مزيداً من الرصانة إلى العمل وانسيابيته وتقاطعه الرقراق بين الموسيقى ومسرحة جبران.

ودائماً من نصوص جبران، وفي تداخل رائع بين الإضاءة والموسيقى والتمثيل، دخلت بثوبٍ مهيب طويل من المخمل الأسود والأزرق، "فوميّة رئيسة كاهنات صيدون" تغطي رأسها قلنسوة ممتدة من ثوبها، أدّت دورها الشاعرة ماجدة داغر، التي اعتلت المسرح يظللها ضوء خافت، مخاطبةً رفيقاتها: "احملنَ أعوادكنّ لأغنّي، أريد أن أترنّم بذكرى الرجل الشجاع الذي قتل الوحش".

وختاما مع البطريرك:
"كلنا نتمنى ألا تنتهي الحفلة بكل أبعادها. نقول للدكتورة هبة والعازفين والمنشدين والممثلين والإدارة، أصعدتمونا إلى فوق فوق فوق، ونحن الآن نقوم بهبوط اضطراري، بعدما كنّا هناك في قمة السعادة. والآن سنعود إلى مجتمعنا الذي يحتاج إلى الكثير لكي يرتفع... للاسف الشديد هناك هوّة سحيقة، بين عالم الفن والمواهب عندنا والعالم السياسي، نحن أمام مجموعة من عالم آخر، هوّة سحيقة بيننا وبينهم.

الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium