النهار

بدون سابق إنذار: الواقع على مرآة نصّ مفاجىء
المصدر: "النهار"
بدون سابق إنذار: الواقع على مرآة نصّ مفاجىء
بدون سابق إنذار.
A+   A-
 
نبيل مملوك
 
تطرح حلقات مسلسل "بدون سابق إنذار" (إنتاج 2024- إخراج هاني خليفة) تكاملًا واضحًا بين النصّ والصورة التي تعكس التقديم الدرامي التلفزيونيّ له، فمعالجة القصّة قد كشفت عن جملة من الأدوات التي تشكّل نقاط قوّة للعمل عزّزها أداء الممثلين وتموضعهم الدقيق مع كلّ حدث أو بعد أداء كلّ حركة.
 
الحوار وتموضع الشخصيّات
القصّة التي عالجتها وكتبتها ألمى كفارنة، لا تقف عن قصّة مروان (آسر ياسين) وليلى (عائشة بن أحمد) التي تظهر شرخًا بين زوجين أنهكهما الروتين اليوميّ وسوء التنسيق في بناء يوميّة أسريّة ولا تنتهي عند اصابة عمر "ابنهما" بالسرطان واكتشافهما أنّه ليس ولدهما بل البداية تأتي من هنا، من الصدمات المتتالية التي تكشف النقاب عن قوّة النص وصفاء الصورة عبر مرآة هي الشخصيّات، بدءًا من الحوارات التي يكاد المشاهد ينسى تواجدها من شدّة التكثيف والايجاز فيها، بالإضافة إلى النمط المباشر فيها والذي يعكس مدى التناوب بين الصورة والصوت من خلال الملامح ودورها الدلالي الذي يحرّض المشاهد/ المتلقّي على رسم الشخصيّة، فمروان (آسر ياسين) يظهر بنمطه الانفعالي شخصيّة واقعيّة ترفض تكاثر الطرق للوصول إلى الخبر/الحدث/ أو أداء الحركة، تقابلها ليلى الأمّ والزوجة والمرأة العاملة التي تطلب حريّتها وتتسلّح بالعاطفة للتعبير عن قوّتها الأنثويّة، هاتان الشخصيّتان القويّتان باختلافهما شكّلتا ثنائيّة ضديّة أعطت إيقاعًا تلفزيونيّا أقرب إلى المسرحي أولًا من خلال التقديم الهادىء الخفيف للانفعالات والحوارات وثانيًّا عبر افساح المجال أمام شخصيّات أخرى مثل الأم (نهال عنبر) التي أبرزت تفوّقها مع النّص عبر اخراج المرأة "الحماة " من صورتها النمطيّة العاشقة للمشاكل نحو الحماة الحكيمة المتموضعة في قالب الأم الجامعة للشخصيّات المرهقة التي يعدّ حسن (أحمد خالد صالح) وزوجته (جهاد حسام الدين) صورة أكثر التصاقًا بواقع ال"portrait" الزوجيّ وسط الأحوال الاقتصاديّة والأعباء الاجتماعيّة المتراكمة، فشخصيّة "حسن" القياديّة المتوتّرة الرافضة للرأي الآخر عبّرت بملامحها ولغة العينين تحديدًا عن ذروة مشاعرها مع الاستغناء عن الصوت كأداة خضعت لايقاع الحوارات البعيدة عن الصخب القريبة من التعبير وافساح المجال للحركة التي كان لعماد (اسلام حافظ )المحامي العاشق للمغامرات في الخفاء دورًا في اخراجه من قالب الشخصيّة المساعدة نحو الشخصيّة المستكشفة التي تتحرّك وفقًا لتغيّر الاحداث وليس لمزاج أو سلطة "مروان ".
 
أتى الحوار على صعيد المضمون محمّلًا بالدلالات والرسائل تحت عنوان "الصورة والصورة البديلة" من خلال حواريّة مروان مع عمر التي كرست الانسانيّة رغم الأوّل أنه ليس أب الأخير، بدءًا من كسر الصورة التقليديّة حول الخوف وربط آسر ياسين بانفعاله الأبويّ الحضور الإنساني بالمشاعر وتحديدًا الخوف فضلًا عن أن الحوارية بينهما والتي أتت في المستشفى المكان الذي يعدّ بشكل لاواع مبتدءًا للعلاجات أتى منسجمًا مع الرسائل "العلاجيّة" حول كيفيّة التعامل مع الطفل والتعامل بين الزوجين المتباعدين وسط هكذا أزمة، ليكون الحوار سلّة جامعة لشخصيّات أحسنت في التكيّف مع النّص وانسجمت معه وقدّمت نفسها على أنّها أفكار وسلوكيّات حياتيّة.
 
الصورة والاستجابة لصدمة النّص
رغم توزّع المشاهد بين (خارجي وداخلي ) إلّا أنّ تلك المليئة بالحركة رسمت نفسها كصورة قائمة بحدّ ذاتها، الأمر الذي دفع بالمشاهد نحو التركيز على الحركة والحدث بدلًا من التركيز على طبيعة الأمكنة، وهو ما يتطلّبه النّص، لكنّ الدور الاخراجيّ ظهر من خلال تركيز الكاميرا على الملامح والوجوه وهو امتياز آخر منحه المخرج للمشاهد كي يبدأ بصياغة تصوراته للنص خاصّة وأن كل حلقة تنتهي مع مفاجأة أو خبر أو صدمة تهدم كلّ ما بدأ المشاهد بناءه، فضلًا عن ذلك فإنّ طبيعة الاضاءة المعتمدة أتت منسجمة تمامًا مع ما سيقدّمه النّص، فتجسيد علاقة مروان وليلى الباهتة والباردة في طبيعتها الصداميّة أتى في أغلب الأحياء تحت إضاءة باهتة وفي أمكنة محكمة الإغلاق أي بمعزل عن وجود شخصيّات شهيدة على الخلافات تحديدًا في المستشفى بؤرة التوترات بحكم مرض (ابنيهما )، هذه المساحة أتت لتثبت العلاقة المترابطة ما بين النص والصورة، في المقابل أتت مشاهد حسن شقيق مروان اللصيقة بشخصيّته اللاواعية في الأمكنة العامّة أو الأمكنة المغلقة جزئيًا حيث تتواجد شخصيّات أخرى كالأم والعمّال وصديقة ليلى ما أعطى الشخصيّة صورة أخرى متمثلة بالرغبة في التفلت من مواجهة المشاكل والعواقب بنفسه.
 
فرضت الصورة حصرًا للصوت بالحدث وأبطاله، وهي عملية تنقية للمشهد تعطي فرصة أخرى لفهم النص والتركيز على الألغاز المتكاثرة، ما شكل استجابة اخرى للترابط بين الكلمة والأداء.
 
 
يعدّ بدون سابق انذار وجبة واقعيّة يلتهمها المشاهد على مهل كي يبحث عن نفسه داخل كل شخصيّة، هو نصّ النفس البشريّة المضطربة المحفوف سلوكها بظواهر نفسيّة اجتماعيّة تقوم بإعادة تدوير نفسها بنفسها بفعل اللاتغيير القائم، هو إطار واقعيّ شكّلت مرآة لنصّ مفخّخ بالمفاجآت سواء على صعيد العناصر أو الأداء المركّز.
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium