بدت أجواء "مهرجان الشارقة القرائي للطفل" في دورته الـ15 مفعمة بالحماس والمعرفة، فقد أقبل الأطفال على زيارة المهرجان بأركانه وأجنحته المتنوّعة، وانغمسوا في عالم الاستكشاف والإبداع.
هو مهرجان بكلّ ما للكلمة من معنى. مهرجان ثقافيّ يعكس القيم الثقافية الراسخة في إمارة الشارقة. وكما في كل عام، يُبهر المهرجان زوّاره بكل جديد متعلّق بالطفل على المستوى الثقافي.
في حديثها لـ"النهار"، توضح المنسقّة العامة لـ"مهرجان الشارقة القرائي للطفل"، خولة المجيني، بأنّ "ما يميّز دورة هذا العام من المهرجان هو شعاره "كن بطل قصتك"، الذي من خلاله نركّز على أهمية القراءة في بناء شخصية الطفل، ونركّز بشكل كبير على إعطائه مساحته في الاختيار والحلم والتفكير".
"كذلك، من ميزات المهرجان، العدد الهائل من الفعاليات التي تبلغ 1500 فعالية، والتي لا تستهدف الطفل فقط، إنّما الأسرة بكاملها"، تقول المجيني، "إلى جانب إطلاق جائزة الشارقة لرسوم كتب الطفل بفئتها الجديدة، وهي "فئة اليافعين"، فتكون هذه الفئة أيضاً قريبة من الكتاب". هنا، تورد المجيني: "لاحظنا بشكل واضح الارتقاء بالرسومات التي وصلتنا في هذه الدورة، وقد بلغ عدد الرسامين 425 من أنحاء العالم، وهذا يعتبر إنجازاً".
نجد في المهرجان مسابقة "فارس الشعر"، التي توفر للأطفال منصّة لحفظ وإلقاء الشعر. وتضيف المجيني إلى ميزات المهرجان هذا العام ميزة توزيع الورش المختصّة على اختلاف أنواعها، والتي تعطي للطفل الحريّة لاختيار ما يجذبه إلى هذه الورش.
وعن تفاعل الأطفال مع ورش العمل التثقيفية التعليمية اليدوية في ظل سيادة التكنولوجيا، تجيب المجيني: "بصراحة، كان لديّ تخوّف من عدم انجذاب الأطفال إلى هذا النوع من الورش، لكن الواقع أثبت العكس، وكانوا منجذبين إليها بشكل كبير. وأعتقد أنّه إذا ما توفّر للطفل شيء آخر غير الألواح الرقميّة، فلن يكون مستاءً طالما هو يستمتع بما يقوم به. لذا، الفكرة ليست بفرض هذه النشاطات عليه إنّما بكيفيّة جعله يحبها".
جميع فعاليات المهرجان هي فعاليات ثقافية. ويعتمد القيّمون على المهرجان أسلوب التعليم الترفيهيّ، الذي يوصل المعلومة للطفل بشكل سلس حتى يستوعبها بشكل أسهل، سواء أكانت عبر جلسات مع الكتّاب أم عن طريق الورش المقدَّمة. وجميعها مرتبطة بالكتاب، فهو الهدف الأساسي من وجود المهرجان، أي ربط الطفل بالكتاب وتحبيب القراءة إليه.
يتميّز المهرجان عامة بمواكبة الاتجاهات العالمية التي تناسب تنشئة الأطفال ثقافياً. وعاماً بعد عام، يضمّ المهرجان ورش عمل ومواضيع جديدة، تُشكّل مداخل معرفيّة لجيل ناشئ مطّلع على مفاهيم العصر. فلدى "هيئة الشارقة للكتاب" فريق مطّلع يهتمّ للبحث بشكل خاصّ عن الاتجاهات العالمية الراهنة الخاصّة بالأطفال. وجميع ورش العمل ومحطّات المهرجان تأتي من الكتاب وترتبط به، وإن كانت تتناول التكنولوجيا.
كذلك، ضمّ المهرجان محطة خاصة بالتواصل الاجتماعي لجذب الأطفال من خلال قناة يهتمّون بها، ولمخاطبتهم بلغة العصر، أو عبر مدوّنين ومؤثرين من العالم الافتراضي، وهم على اطّلاع عليهم. فمثلاً، إحدى الورش الأساسيّة، التي تكرّرت مرّات عديدة في المهرجان، هي ورشة الذكاء الاصطناعي، في ركن "مركز التفكير". ومن المفاهيم الحديثة التي تناولها المهرجان مفهوم الاستدامة في ركن "نحو الاستدامة"، الذي قدّم مداخل للأطفال حول التغيّر المناخيّ والاستدامة والبيئة. وقدّم المهرجان ورش عمل حول الـNFT، وهو مفهوم حديث أيضاً في عالم التكنولوجيا. ولا ننسى جلسات النقاش التي تناولت مواضيع الصحة العقلية والنفسية، لا سيما ورشات اليوغا التي تكوّنت من شقّ نظريّ تثقيفيّ ومن شقّ تطبيقيّ. وهنا نتحدّث طبعاً عن اتجاه الرفاهية العالمي الذي دمجه المهرجان مع ورش الأطفال.
واحتلّت الموسيقى جانباً ملحوظاً من فعاليات المهرجان، سواء عبر العروض الفنية التي جرت على مسرح المهرجان من قِبل أسماء شهيرة، كمغنية الأطفال رشا رزق، وفرقة "ماساكا أفريكانا" الأوغندية، أو عبر ورش عمل الموسيقى التي علّمت الأطفال الإيقاعات الأفريقية بوساطة الآلات الموسيقية والغناء.
كذلك، استضاف ركن الطهو في المهرجان طهاة عرباً وعالميين، حضّروا الأطباق الصحيّة، بالتعاون مع الأطفال.
وكان شغف المعرفة والحماس الطفوليّ طاغياً على ورش العمل المتنوّعة، التي شملت التربية البدنية، ومدرسة المواهب، ومحطة العمل، والموضة والأزياء، وملتقى الإبداع، والحرف الفنية، وصولاً إلى القصص المصوّرة.
وفي "ملتقى الثقافة" جرت جلسات حوارية مع خبراء وكتّاب عرب وأجانب حول مواضيع تتعلق بالأطفال هي: تأثير اليوغا على صحتهم الجسدية والنفسية، ومنافع التلوين على تركيزهم، وكيفية الحدّ من تأثير التكنولوجيا على قلقهم، والحدّ من التنمر. وكان هناك مواضيع اجتماعيّة أخرى مثل الإرشاد الأسري في سلوك الأولاد، وما يجمع الرياضيات بالموسيقى، وغيرها من الجلسات الغنية التي أثرَت ملتقى الثقافة في المهرجان.
تصاميم وألوان متفرّعاتِ المهرجان أخذت الأطفال إلى عالم الاستكشاف، بدءاً من "الشارقة لرسوم كتب الأطفال" في المهرجان وصولاً إلى عالم أخّاذ من نوع آخر، هو عالم الرسوم المتحرّكة بأقسامها المتنوّعة. وقد جاء في إطار مؤتمر الشارقة للرسوم المتحرّكة في دورته الثانية على مدى خمسة أيام؛ وهو المؤتمر الأول من نوعه في المنطقة، ويستهدف المتخصّصين في هذه الصناعة. وقد حضر لتقديم الورش في المؤتمر نخبةٌ من ممثلي شركات الإنتاج العالمية الضخمة، وشخصياتٌ فنية شهيرة في هذه الصناعة شاركت تجاربها وكشفت عن أسرار الإنتاج.
وتوزّعت أجنحة دور النشر العربية والأجنبية بما تحتويه من كتبٍ وتقنياتٍ تعليميةٍ حديثةٍ في المهرجان. وأتاح المهرجان مجموعةً من سلاسل كتب العلوم بلغات مختلفة لتساعد الأطفال على استقاء المعلومات الأوّلية في مختلف فروع العلوم، ومنها الأحياء والكيمياء والفيزياء وعلوم الطبيعة والفضاء... وجاءت هذه الكتب بتقنية 3D، وأنشطة ترفيهية، وعلوم بالرسوم البيانية، بالإضافة إلى العلوم المجسّمة.