النهار

"عطور الشرق" تنادينا في المتحف الوطني السعودي (صور)
روزيت فاضل
المصدر: "النهار"
"عطور الشرق" تنادينا في المتحف الوطني السعودي (صور)
معرض "عطور الشرق" في المتحف الوطني السعودي.
A+   A-
العطر كالحب في صحوته ونشوته. يدغدغ مشاعر الذات أولاً والآخر ثانياً، لينخرط في ذاكرتنا ويومياتنا وطقوس حياتنا، وفي كل ركن من شوارع بعض المدن الضيقة ببعض أسواق العطاريين.
 
في سفر إلى الزمان، كشف المعرض الدولي "عطور الشرق"، الذي افتتحته المملكة العربية السعودية في 20 أيار بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس في المتحف الوطني السعودي في الرياض، من خلال 200 قطعة أثرية وعمل فني، دور العطور والبخور والبلاسم و المياه المعطرة وسواها وأهميتها في ثقافتنا العربية الإسلامية وتاريخها الشعبي والاجتماعي، وما يمكن أن يمر فيها من خيال واسع في البصر والشم والخيال في نماذج الروائح الزكية برحيق الياسمين وأزهار البرتقال والنرجس والمسك وسواها، وما يرافقها من بعد شاعري مرهف.
 
 
إذا كانت الحياة ستكون بلا طعم أو لون دون العطور على اختلافها، فإن اختيار الرياض الوجهة الأولى في العالم العربي لهذا المعرض،"أمر طبيعي"، وفقاً لما ذكر رئيس معهد العالم العربي جاك لاينغ لـ"النهار"، وذلك بعد تنظيمه بنجاح في باريس من خلال استقباله 170000 زائر.
 
فقد اعتبر لاينغ أنه "لطالما أشير إلى شبه الجزيرة العربية على أنها القلب التاريخي والجغرافي لتجارة التوابل والعطور، وأرض الوعود المرتبطة بهذه الثروات". وأشار إلى أنه "يعبر طريق البخور الأسطوري شبه الجزيرة العربية لتقديمه إلى العالم، كما يعبر موانئها العود الإندونيسي، والمسك من جبال الهيمالايا. فهذه المنطقة هي مركز هذه الحضارة العطرية التي انتشرت بعد ذلك من ضفاف الفرات إلى جبال الأطلس".
 
لندخل الى المعرض نفسه. تجربة فريدة من نوعها في عالم المتاحف. توصيف أوجزت فيه المستشارة لدى وزارة الثقافة السعودية منى خزندار في حديثها لـ"النهار" دور المعرض، والذي يقدّم بالإضافة الى المقتنيات والأعمال الفنية المعروضة، والمحتوى المتحفي والسينوغرافيا المميّزين، تجربة شمّية حسّيّة هي الأولى من نوعها، حيث تمّ ابتكار أجهزة تبثّ العطور والروائح التي اشتهر بها عالم الشرق، مثل العود والعنبر والمسك والبخور والورد والزعفران وزهر البرتقال، مع معلومة مهمة أنه في نهاية الزيارة، يستطيع الزائر التطيّب بعطر بتوقيع صانع العطور العالمي كريستوفر شيلدريك، والذي صمّمه خصيصاً لهذا المعرض".
 
 
جولة "العطور"
 
هل من عطر للرجال و آخر للنساء؟ وفقاً لقولها، "يُخطئ من يعتقد أنّ المواد العطرية حكرٌ على جنس دون آخر، فخشب الأرز، على سبيل المثال، يُستخدم بكثرة في عطور الرجال، لكنّه يتواجد أيضاً في تركيبات عطور النساء مع اختلافات في التركيزات، كما أنّ الورد والياسمين اللذين لطالما ارتبطا بالعطور النسائية، يزينان الآن عطور الرجال بلمسة راقية". قالت: "ببساطة، جنس العطر يعتمد على مزيج المكونات وتناسقها، لا على نوعية المكونات المُستخدمة فقط".
 
استخدمت خزندار وصفاً مشوقاً عند تفصيلها أقسام المعرض الثلاثة الرئيسية، بدءاً من الأول "الطبيعة السامية والسخية" بفروعه الثلاثة، شبه الجزيرة العربية أولاً "موطن المرّ واللّبان" ودورها في تجارة وصناعة العطور، وتواجد مواد عطرية خام مثل المرّ واللّبان والعنبر، يتبعها "آسيا، أرض العطور الأخرى". ثانياً ويتناول هذا الفرع تأثير المواد الخام العطرية الآسيوية على صناعة العطور العربية، ليرسو الفرع الثالث على "العطور الزهرية" أي الأزهار والنباتات العطرية وتأثيرها على التركيبات العطرية الشرقية".
 
 
"روائح المدينة"، هو القسم الثاني، "الذي تناولته خزندار لمناقشة فكرة المدينة العربية كمكان للاختلاط والتبادل، وهو مؤلف من ثلاثة فروع هي سوق العطارين أولاً، الذي يسلط الضوء على أهمية مهنة العطارة وتأثيرها الاجتماعي والاقتصادي، وقصص العطارين، تليه ثانياً العناية بالجسد وهو رابط بين العطور والثقافة العربية الإسلامية في ما يتعلق بالنظافة الشخصية والطهارة، وثالثاً قسم للعطور الروحانية التي تتناول علاقة العطور بالطقوس الدينية من حضارات ما قبل الإسلام إلى استخدامها لدى المسلمين".
 
أما القسم الثالث من رحلة "عطور الشرق"؟ فـ"هو ضيافة عطرة"، قالت خزندار. "أما المعنى الحرفي"، وفقاً لها، فهو "يتحدث عن علاقة العطور يالعادات الاجتماعية العربية من خلال تعطير الضيوف، وهو يعني أولاً: استخدام العطور لاستقبال الضيوف وتكريمهم، وثانياً: استنشاق نكهات الأطباق وارتباط روائح الطهي بالعطور، وثالثاً: الزينة الفانية وهو ارتباط العطور بالعناية بالجمال لدى الرجال والنساء، وتأثيرها على الأدب والشعر".
 

المجتمع والجمال
 
مرة جديدة، يعطينا عالم العطور الفضول لنتعرف عليها وهي في ذروة توغلها الاجتماعي والثقافي في حياتنا. بالنسبة لخزندار، "هذا الامتداد التقليدي الاجتماعي هو لغة راسخة تروي حكايات المجتمع وتقاليده وتجسد منذ القدم هوية ثقافية مميزة، تعكس من خلالها تنوع البيئات والمناطق العربية، فنجد عطور الورد والياسمين تنتشر في بلاد الشام، بينما تُميّز عطور العود والعنبر والبخور دول الخليج العربي".

ختاماً، العطور تلازمنا في السرّاء والضرّاء. "هذا أمر محسوم"، وفقاً لها، " لأنه ليس من قبيل المبالغة القول بأنها تُرافق الإنسان العربي في مختلف مراحل حياته. ففي زفافه تنتشر الروائح الزكية من الورد والمسك والعود وغيرها، وفي غُسل الميت وتكفينه يتواجد زيت الكافور العطري، الذي يضفي لمسة من الاحترام والتقدير والطهارة للمتوفَّى".

 
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium