عندما تقدمت الطالبة غلا عبد الرحيم محمود الرحيل، الفائزة بجائزة التراث الثقافي العربية لليافعين في دورتها السابقة عن فئة التصوير الفوتوغرافي، نحو منصّة التتويج لاستلام جائزتها القيمة من الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، راعي هذه الجائزة والاحتفالية، كان قلبها يخفق بسرعة ويفيض بالسعادة، وعيناها تلمعان من شدة الحماس والإثارة بعد فوزها بهذه الجائزة.
لم يخطر على بال الشابة الصغيرة، عندما أرسلت مشاركتها عن طريق مدرستها في الأردن قبل بضعة أشهر فقط، أنها ستكون من بين الفتيات المحظوظات الفائزات بالجائزة الأولى والفريدة من نوعها في المنطقة العربية، التي تتوجه بشكل استثنائي نحو الشباب، وأن يتم دعوتها للمشاركة في حفل توزيع الجوائز في الشارقة. ولكنها كانت تحلم بالتأكيد أن تنال مشاركتها اعجاب لجنة التحكيم، وأن تؤهلها موهبتها الفنية للمشاركة في هذه اللحظة الاستثنائية والتاريخية، التي ستبقى ماثلة دوما في ذاكرتها.
لم تكن الطالبة غلا هي الشابة الوحيدة التي حظيت بالتكريم في حفل توزيع الجوائز، بل شاركها هذه التجربة العديد من الشباب والشابات العرب، الذين فازوا أيضاً بالجائزة الكبرى ضمن الفئات الأربع الرئيسة للجائزة، وهي الرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والفيلم التوعوي والرقص الفولكلوري. ويصف أحد الفائزين الشباب مشاركته بالمسابقة قائلاً "كفنان شاب وطموح، ولدي شغف بالتراث الثقافي، لم أجد طريقة لعرض موهبتي والمساهمة في التعريف بالتراث الثقافي الجميل في بلدي أفضل من المشاركة في جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين. فمن خلال مشاركتي في هذه المسابقة، حصلت على فرصة استثنائية لتقديم هذا التراث كما أراه في عيوني، وتمكنت من عرض أعمالي الفنية على جمهور كبير يتجاوز أسوار مدرستي ومدينتي وحتى بلدي، ليصل إلى كل أنحاء الوطن العربي".
وبينما تستقبل جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين حالياً المشاركات الفنية من الشباب العربي، وتتطلع للإعلان عن المشاريع الفائزة بالجائزة في نهاية هذا العام، لتسدل الستارة على دورتها الثالثة التي انطلقت في منتصف العام الماضي، نسلط الضوء في هذه المقالة على هذه الجائزة، والهدف من تأسيسها والفائدة التي تقدمها لجيل الشباب من جهة وللتراث الثقافي في المنطقة العربية من جهة أخرى، مشجعين في الوقت نفسه الشباب وطلبة المدارس للاطلاع على المسابقة والمشاركة بها، أملا بتحقيق الفوز في واحدة من فئاتها الرئيسية الأربع.
الفن في خدمة التراث
لابد من التأكيد في البداية على أن الحفاظ على التراث الثقافي هي مهمة على درجة كبيرة من الأهمية، إذ إن تاريخنا وتقاليدنا وعاداتنا الموروثة هي التي تجعلنا فريدين وتمنحنا الإحساس بعراقتنا وتاريخنا وهويتنا المشتركة. ومن خلال الحفاظ على تراثنا الثقافي نضمن أن تتمكن الأجيال القادمة من التواصل مع تاريخها العريق، والتمسك بجذورها، وتقدير أهمية وروعة تقاليدها.
علاوة على ذلك، يلعب التراث الثقافي دوراً حيوياً في الترويج للسياحة وتعزيز الاقتصاد، إذ ينجذب السياح من جميع أنحاء العالم إلى المنطقة العربية للتعرف على هذا التراث الفريد والغني، المنقول وغير المنقول، الذي يعكس تجربة إنسانية ضاربة في القدم تعود جذورها إلى فجر التاريخ، مما يساهم بالمحصلة في تعزيز الاقتصادات المحلية وتحقيق النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.
وللحفاظ على هذا التراث والتعريف به، تلجأ المجتمعات عادة للعديد من الوسائل التقليدية وغير التقليدية، ولعل أهمها هي الفنون بأنواعها المختلفة لما لها من قدرة مميزة على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية، والعمل كأداة فعالة لرفع مستوى الوعي حول أهمية التراث الثقافي والتعريف به على أفضل وجه. فمن خلال الوسائط الفنية المختلفة مثل الرسم والتصوير الفوتوغرافي والرقص الشعبي والفيلم التوعوي، يستطيع الفنانون التقاط جوهر التراث الثقافي ونقل أهميته إلى الجمهور الأوسع. من جهة أخرى، يتمتع الفن بالقدرة على إثارة المشاعر وتحفيز الأفكار، ما يمكّن الأفراد من تطوير تقدير أعمق لتراثهم وتراث الآخرين.
تنطلق جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين من هذه الأسس القوية في بنائها وتحديد أهدافها، فهي واحدة من أهم الجوائز، وربما الأولى من نوعها في المنطقة العربية، التي تتوجه بشكل مباشر نحو الشباب والشابات وطلبة المدارس الموهوبين من عمر 9 ولغاية 15 سنة، منذ انطلاقتها الأولى قبل نحو أربع سنوات، بهدف تعزيز الإبداع والمساهمة بالحفاظ على التراث الثقافي والتعريف به، وتشجيع الفنانين الشباب على التعبير عن أنفسهم من خلال أعمالهم الفنية ضمن الفئات الأربع التي تتضمنها المسابقة.
وعلى هذا الأساس، تهدف هذه الجائزة الإقليمية التي تمنح كل سنتين، والتي يتم تنظيمها من قبل مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة، بالتعاون مع اللجان الوطنية لليونسكو في المنطقة العربية، تحت عنوان "تراثنا يجمعنا"، إلى رفع مستوى الوعي حول أهمية الحفاظ على التراث الثقافي المادي واللامادي في المنطقة العربية؛ وتعريف الطلاب بأهداف التنمية المستدامة، وأهمية الحفاظ على التراث والثقافة باعتبارهما حجر الأساس في عملية التنمية الاقتصادية والسياسية المستدامة؛ ونشر ثقافة الحفاظ على التراث من خلال الفن، وتشجيع الطلاب على التعرف أكثر على التراث الثقافي والقيام بزيارة المواقع الأثرية والتاريخية.
وبالإضافة للجائزة المالية الرمزية التي يحصل عليها الفائزون، تقدم المشاركة في جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين فوائد عديدة للفنانين الشباب، فهي توفر أولاً منصة إقليمية، وحتى دولية، لعرض موهبتهم الفنية ورؤيتهم الثقافية لجمهور أوسع، بما في ذلك عشاق الفن والمتخصصين وخبراء التراث ووسائل الإعلام المهتمة. ويمكن أن يفتح هذا الحضور الإقليمي والدولي الأبواب أمام الفرص والانتشار وحتى المزيد من التطور والإبداع في المستقبل.
من ناحية أخرى، تتيح المشاركة في الجائزة للفنانين الشباب التواصل مع الأفراد ذوي المواهب المماثلة، والتعرف على المواهب الشابة الأخرى في المنطقة العربية، ما يمكنهم من إنشاء شبكة غير رسمية لتبادل الأفكار والرؤى داخل المجتمع الفني، ويمكن لهذه الشبكة أن توفر دعمًا قيمًا وإرشادًا وإلهامًا لرحلتهم الفنية في المستقبل. وأخيرًا، تقدم الجائزة التقدير والتكريم للفائزين، وتؤكد على قدراتهم الفنية الاستثنائية، مما يعزز ثقتهم بنفسهم ويحفزهم على تحقيق أحلامهم في المستقبل.
وبالإضافة إلى كل ما سبق، بينما يتم دعوة الفائزين بالجائرة للسفر إلى الشارقة لحضور الاحتفالية الخاصة بتوزيع الجوائز، يتم إشراكهم في ورشة عمل شاملة ينظمها مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة على هامش الاحتفالية، وتتضمن محاور ونشاطات نظرية وعملية تتعلق بالفنون، وزيارات ميدانية لمواقع من التراث الثقافي في الإمارات العربية المتحدة، ونشاطات أخرى مرافقة.
معايير الأهلية ومتطلبات المشاركة
للتعرف على كيفية التقديم ومعايير الأهلية وشروط المشاركة بجائزة التراث الثقافي العربية لليافعين، التي لازالت تستقبل المشاركات في دورتها الحالية لغاية اليوم الأخير من شهر تموز/يوليو 2024، توجهنا نحو الجهة المنظمة والقائمين على الجائزة، مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة، الذين أكدوا في تصريح رسمي أنه يمكن لجميع الشباب وطلبة المدارس من عمر 9-15 سنة المقيمين في المنطقة العربية المشاركة بالمسابقة، ضمن واحدة أو أكثر من الفئات الأربع الرئيسة للجائزة.
وأضاف المصدر أن الجائزة ترحب بمشاركة كل الفنانين الهواة والمحترفين من فئة الشباب من المنطقة العربية، على أن يكون العمل الفني المقدم للجائزة أصلياً ويعكس موضوع التراث الثقافي، حيث يتم تشجيع المشاركين على استكشاف وسائل مختلفة مثل الرسم، والتصوير الفوتوغرافي، والرقص الفلكلوري، والفيلم التوعوي للتعبير عن قدراتهم الإبداعية.
ووفقا للجهة المنظمة يتم ارسال الأعمال الفنية من خلال اتباع واحدة من الطرق الرئيسية الثلاث للمشاركة. حيث يمكن ارسال الأعمال على شكل مشاركة شخصية من خلال المدرسة عبر البريد الالكتروني او البريد العادي لمركز ايكروم الإقليمي في الشارقة؛ أو المشاركة من خلال التواصل مع اللجان الوطنية لليونسكو في الدول العربية والتي بدورها تقوم بالتنسيق مع مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة لاختيار أَفضَل المُساهَمات الفَنيَّة ضمن الفِئات الأَربَعَة وَفقاً لِلمَعايير المُحدَدَّة؛ وأخيراً يمكن المشاركة بشكل مباشر وشخصي من خلال إرسال العمل الفني مباشرة عبر البريد الالكتروني او البريد العادي إلى عنوان مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة.
وسَوف يَتِّم الإِعلان َعن الفائزين من قبل لجنة تحكيم مؤَلفة من خبراء من عالم الفن والثقافة ومن اختصاصيين في كل فئة من فئات الجائزة، وكذلك من ممثلين عن مركز ايكروم الإقليمي في الشارقة. حيث ستأخذ لجنة التحكيم بِعَين الاعتبار مجموعة من المعايير الأساسية في عملية اختيار المشاريع الفائزة، وهي الإِبداع، والتِقَنيَّة في التَّعبير عَن مَوضوع المسابقة؛ التَّعبير عن التراث بطريقة مبتكرة والجمع ما بين الأصالة والمعاصرة؛ وأخيراً الالتزام بالمعايير الخاصَّة بكلّ فئَة من فئات الجائزة.
يمكن للطلبة المهتمين بالمشاركة في الدورة الثالثة من جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين، والراغبين بالاطلاع على معايير المشاركة، زيارة الموقع الرسمي للجائزة، حيث يوفر هذا الموقع معلومات مفصلة عن عملية التقديم، بما في ذلك معايير الأهلية وإرشادات التقديم والتواريخ المهمة، علماً أنه يتعين على المشاركين تقديم أعمالهم الفنية قبل الموعد النهائي المحدد وهو 31 تموز /يوليو 2024، بينما سيتم الإعلان عن الفائزين في احتفالية خاصة تقام في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، وسيتم عرض أعمالهم الفنية في معرض خاص يترافق مع حفل الإعلان عن الفائزين بالجائزة في الشارقة.
بالمحصلة، يمكن القول إن جائزة التراث الثقافي العربية لليافعين، بكل ما تحمل من قيم ورسائل وأهداف، تعتبر فرصة فريدة للفنانين الشباب لإطلاق العنان لمواهبهم الإبداعية، والمساهمة في الحفاظ على التراث الثقافي، وإحداث تأثير دائم ضمن مجتمع الشباب الذي ينتمون إليه. فمن خلال المشاركة في هذه الجائزة، تتاح للفنانين الشباب الفرصة لعرض مهاراتهم، ورفع مستوى الوعي حول أهمية الحفاظ على التراث، وإلهام الآخرين لتقدير وحماية هذا التراث الغني. لذا، إذا كنت فنانًا شابًا تملك الرؤية والموهبة ولديك شغف كبير بالحفاظ على جذورك الثقافية، فنحن من هذا الموقع نشجعك على اغتنام هذه الفرصة والمشاركة في الدورة الثالثة لجائزة التراث الثقافي العربية لليافعين.