رولا عبد الله
في الخامس من آب عام 1962 تصدّرت مارلين مونرو عناوين الصحف، ليس من باب الجمال، ولا من الباب الرديف لمغامراتها مع رجال أحبّتهم وآخرين خذلوها أو خذلتهم أو لجهة خلافاتها التي لا تنتهي مع المنتجين والممثلين. لقد جاء الخبر صاعقاً: ماتت الأيقونة... أو بالأحرى انتحرت!
ومضت السنوات على فرضية متأرجحة بشأن موتها ليأتي "دور تصفية الحسابات" مع عائلة كينيدي، وهذه المرة من خلال الصحافية الأكثر مبيعاً في نيويورك تايمز مورين كالاهان التي صدر لها حديثاً عن دار "Little, Brown and Company" كتاب بعنوان "Ask Not : The Kennedys and the Women They Destroyed"، وبين صفحاته الأربعمئة خيط يتمدد عن دور عائلة كينيدي في موت مونرو. ويأتي الكتاب المصنّف ضمن أفضل القراءات لصيف 2024، بعد كتابها عن جاكلين كينيدي الذي أثار الجدل حول المغامرات العاطفية لسيّدة أميركا الأولى.
تقدّم كالاهان لكتابها عن مونرو بعبارة: "أعرف من قتل مارلين مونرو"، وتصوّب على عائلة كينيدي التي تقول إنها برّاقة فقط من الخارج: "لطالما كان اسم كينيدي مرادفاً للثروة والقوة والسحر، وفوق كل شيء آخر، النزاهة. لكن هذه القشرة المصنوعة بعناية تخفي حقيقة مظلمة: النمط الذي يتبعه رجال كينيدي في الاعتداء الجسدي والنفسي على النساء والفتيات، يترك أثراً من الخراب والموت في أعقاب كل جيل".
لماذا انتحرت؟
كانت في السادسة والثلاثين من عمرها. في أوج جمالها، وبكثير من الإحاطة بطبيبها النفسي الذي حرص على علاجها من إدمان المخدرات والكحول، أبدت رغبة عارمة في تأدية دور البطولة في مسرحية لشكسبير. بدت متحمّسة، فما الذي دفعها لوضع حدّ لحياتها؟ تجيب كالاهان: "الإجابة القاطعة لن تأتي وإن بعد مئة عام ذلك أن مونروا اقتربت من المحظور في السياسة الأميركية مهدّدة بفضح الأخوين جاك وبوب كينيدي اللذين واعداها معاً وخذلاها بعد استثمار نجوميتها في الطريق إلى الكرسي الرئاسي".
ومن خيط الرئاسة الرفيع الذي انقطع بأيقونة السينما إلى الهاوية، انطلقت كالاهان بتسديداتها المباشرة تجاه آل كينيدي واصفة العائلة بالقتلة: ومن خلال النمط الاستقصائي تجيب عن أسئلة مفتوحة حرصت على أن تضمّنها تحت عنوان: "أعرف من قتل مارلين مونرو".
ويأتي كتاب كالاهان بعد كتاب عن جاكلين كينيدي التي تقول إنها "تورّطت في عدد من العلاقات العاطفية مع العديد من الرجال قبل وأثناء وبعد زواجها من الرئيس الأميركي جون كينيدي بينهم شقيق زوجها بوبي ومن ثم الشقيق الأصغر تيد والممثل وليام هولدن ومارلون براندو وارن بيتي وبيتر لوفورد وبول نيومان وفرانك سيناترا والروائي أندريه مالرو وصولاً إلى زواجها من رجل الأعمال اليوناني أرسطو أوناسيس". ومن الكتابة عن جاكلين انطلقت لتكمل حكاية عائلة تداخلت فيها الخيانات، ذلك أنّ مارلين مونرو كانت عشيقة جون كينيدي الذي غنّت له "سيدي الرئيس" وشقيقه بوبي في الوقت نفسه. وتربط كالاهان طبيعة علاقة مونرو بالشقيقين بأنها "استغلال بحت من قبل العائلة لرفد أصوات الرئاسة بأنصار نجمة الإغراء".
وحين انتهت الانتخابات وقيل لمونرو إن كينيدي الرئيس سوف يتزوج بها ويطلّق جاكلين صدّقت الخبر الذي ذهب سريعاً مع الريح وانقطعت أخبارهما لتأتي النصيحة: "لا خبز لك مع هذه العائلة... الرجاء البقاء بعيداً".
الطريق الى الهلاك
تربط كالاهان بين وفاة مونرو وتهديد الأخيرة بمؤتمر صحافي تفضح فيه ممارسات عائلة كينيدي، مسلسلة الأحداث: "في تلك الليلة حجز جون كينيدي تذكرة سفر منطلقاً إلى منزل مونرو. كان غاضباً بعدما أيقن أن الاستخبارات الأميركية نصبت كاميرات في منزلها للتجسّس على الرئيس خلال لقاءاتهما الحميمة. ووفق التحقيقات التي بقيت سرية لعقود تبيّن وفق شهادات مقربين وأطباء عاينوا جثتها أنها قد تكون أعطيت حقنة شرجية لمادة تشبه السمّ وتتفاعل مع أدوية الاكتئاب التي تكاد تكون أدمنتها. وفي ساعاتها الأخيرة، اتصلت مونرو بأصدقائها والدائرة المقربة منها تطلب منهم التوجّه إلى منزلها. بعد ساعات وُجدت جثة متدلية الرأس من السرير بينما يدها ممسكة بالهاتف. كانت شبه عارية وباردة في رحلة النوم الأخيرة".
قطعاً لا
تؤكد كالاهان، الناشطة النسوية وكاتبة دايلي ميل، أنّ الجواب: "قطعاً لا". تبدأ بربط الأحداث: "ليلة غنّت "سيّدي الرئيس"، أرادت مارلين أن تبدو مثل حورية الجنس الألمانية مارلين ديتريش، ولكن بشكل أكثر حداثويةً وخطورة.
قبل نصف ساعة من أدائها الأغنية في الحديقة، كانت مارلين في غرفة تبديل الملابس عندما وصل المدّعي العام القضائي بوبي شقيق الرئيس كينيدي. لقد أمضيا 15 دقيقة بمفردهما معاً. أخبرها أنه يحبّها. لاحقاً أدركت مونرو أن جون أرسل شقيقه للإيقاع بها وصرف نظرها عنه بعد تلقيه تهديدات من زوجته جاكلين بفضح خيانته لها على أبواب صعود نجمه كرئيس شاب للولايات المتحدة".
عاشت وماتت... طفلة
تربط كالاهين صوت مونرو الطفولي الذي لازمها حتى مماتها باعتقادها أنه قد يحميها من الأعداء، بمعنى: "لا تؤذوني ما زلت طفلة. وكانت قد عانت من قدر كبير من الصدمة: عندما كانت طفلة، نُقلت من دار حضانة إلى دار أخرى، وتعرّضت للانتهاك والتحرّش والاغتصاب. تزوّجت عندما كانت في السادسة عشرة من عمرها ظناً أن الزواج يحميها من قسوة المجتمع، لكنها سرعان ما أدركت أن الحياة المنزلية لا تعني لها شيئاً".
عاشت مونرو تجربة حياة غير مستقرة مع لاعب البيسبول الذي أرادها أن تتفرّغ للمنزل وتعتزل الفن. لاحقاً تزوجت بالكاتب آرثر ميلر ثم طلبت الطلاق بناءً على وعد كينيدي بالزواج بها.
كينيدي
ونقلت كالاهان عن طبيب مونرو كيف أنها ظلّت تردد: "هذا الرجل سيغيّر بلادنا… سيأخذ مكانه مع واشنطن وجيفرسون ولينكولن وفرانكلين روزفلت كواحد من أعظم الرؤساء". ولم تمتثل يوماً لرأي الطبيب: "جون سيأخذك الى الهاوية".
أمّا شقيقه بوبي، فدوّنت عنه في دفتر ملاحظاتها: "بينما كنّا نرقص ظننت أنه سيمدح جمالي بينما عيناه معلقتان بفتحة فستاني، لكنه كان يكرّر السؤال: "هل تجدين أوسم منّي في هذه القاعة؟".
وانغمست مونرو بمرور الأيام بالإفراط في تناول الكحول والمهدئات الى درجة أنها أهملت نفسها وتوقفت عن الاستحمام.
إجهاض
لماذا كانت يائسة للغاية للوصول إليه؟ تشير التقارير الواردة في الكتاب إلى أنها أجرت عملية إجهاض في 20 تموز، وربما كان والد الطفل بوبي كينيدي.
كذلك كان مفقوداً من منزلها نظام المراقبة الخاص بها، بالإضافة إلى مذكراتها.
لم تنتحر
تنقل كالاهان عن نائب المدعي العام السابق لمقاطعة لوس أنجلس جون مينر أنّه تحدث طويلاً في ذلك العام إلى المحلل النفسي لمارلين، الذي سمح له بالاستماع إلى شريط مدته 40 دقيقة تشارك فيه خططها للمستقبل القريب.
قال مينر: "نتيجة لما قاله لي الدكتور جرينسون، ومما سمعته في التسجيلات، أعتقد أنني أستطيع أن أقول بشكل قاطع إنه لم يكن انتحاراً في ذلك اليوم المشؤوم من أيّام آب عام 1962".
ومنع الأخوين كينيدي من حضور جنازة مارلين، جو ديماجيو الذي صرّح لاحقاً: "كنت أعرف دائماً من قتلها، لكنني لم أرغب في إشعال ثورة في هذا البلد".