رولا عبدالله
تخرج حكايات مروّعة إلى العلن يوماً بعد يوم عن ذلك النهار المشؤوم، 4 آب 2014، وتحديداً في حي النصر قضاء شنكال في إقليم كردستان.
كانت هيام محيي بكر حاملاً في الشهر السادس، تعد الطعام لعائلتها، حين علا الضجيج في البلدة. صراخ وأبواب تقفل على عجل وفوضى تبيّن أنها ناجمة عن انسحاب مفاجئ للبشمركة، يقابله دخول قوات "داعش" التي سيطرت على الإقليم.
في ذلك اليوم، قتل نحو 5 آلاف أيزيدي في إبادة جماعيّة، وجرى تشريد نحو 400 ألف في دهوك وأربيل وزاخو، فضلا عن تعرّض 1500 امرأة للاغتصاب الجماعي، بيع منهنّ أكثر من ألف من "السبايا" في الأسواق.
ما حصل بعدها لهيام مروّع، تحكيه في كتاب للمؤلفة الأيزيدية شيلان خديدة بعنوان "المرأة التي هربت من جحيم داعش"، نشرته شركة " VERTO" ضمن برنامج مساعدة التوظيف الذاتي الأسترالي(SEA)، وهو مزوّد خدمات توظيف وتدريب لا يهدف إلى الربح.
في أوستراليا احتلّ الكتاب المراتب الأولى مع توصية بضرورة ترجمته إلى أكثر من لغة. شكّل مضمونه صدمة لأولئك القاطنين في أمان، حيث لا يخطر في بالهم مواجهة تجارب مرّة فيها من الإبادة ومحاولات التغيير الديموغرافي ما يفيض أنهاراً من الدماء والدموع.
قصة هيام محيي، إحدى الناجيات من أسر داعش في العراق، لا تختلف عن قصص مواطناتها ممن وقعن في أسر "داعش".
تروي شيلان معاناة هيام محيي، المرأة التي هربت من جحيم داعش، والتي واجهت الاختطاف والسجن والوحشية وبيع رضيعها عام 2014. لكنّها ترسم في المقابل صورة مؤثّرة لنجاح تلك المرأة في الهروب من آسريها ولم شملها مع زوجها وعائلتها، كما تعرض الصمود والإرادة البشرية.
حكاية أيزيدية
بعد أن اختطفها رجال داعش عام 2014، تحمّلت هيام ما لا يمكن تصوّره، وتم بيعها في حياة من الظلام حتى اليوم الذي تدخل فيه القدر بمساعدة محامٍ يتحدث اللغة الكردية في سوريا. لقد ساعدها هي وطفلها على لم شملهما مع زوجها ساري. كان لم شملهم مجرد البداية، حيث حملهم حب الزوجين وتصميمهما خلال ثلاث سنوات مليئة بالتحديات إلى مخيم للاجئين العراقيين، في انتظار تدخل الأمم المتحدة الذي سيغير حياتهم.
تحكي مؤلفة الكتاب شيلان كيف اقترب منها ساري، زوج هيام، وسألها إذا كانت مهتمّة بتأليف كتاب يشرح بالتفصيل تجارب زوجته المروعة مع داعش، حيث شعر كلاهما أنها قصة يحتاج العالم إلى سماعها.
في اليوم التالي، التقت شيلان بهيام وساري في منزلهما في منطقة نيو ساوث ويلز في أوستراليا، ومن حينه أدركت أن لديها قصة مؤلمة لترويها.
وبعد مرور أكثر من عام ونصف، انتهى الكتاب وأصبحت شيلان صديقة مقربة من هيام وعلى تواصل يومي.
حكاية شيلان
وصلت شيلان كودة إلى أوستراليا عام 2016 مع عائلتها. وتحتفظ هي الأخرى برحلة مروعة مماثلة لتلك التي خاضها عدد لا يحصى من الإيزيديين الذين فروا من أهوال داعش وطلبوا اللجوء إلى أوستراليا.
بدأت شيلان الكتابة عام 2020، حيث نُشر كتابها الأول بعنوان " Ash Dust Air"، قصة حقيقية عن حرائق الغابات الأوسترالية وكوفيد عام 2020.
ووثّقت المحنة التي واجهتها هيام بكير عام 2014، معترفة بأن تأليف الكتاب جعلها تبكي.
معاناة الأسر
ظلّت هيام محتجزة لدى تنظيم "داعش" لمدة عامين تقريبًا، وتقول إنها حُرمت خلالها من الطعام والحصول على النظافة الأساسية مثل الاستحمام.
تحكي رحلة المعاناة الجسديّة والنفسيّة: "لقد عانيت جسدياً ونفسياً. رجال داعش اعتادوا على ضربنا ولم يسمحوا لي حتى بالاهتمام بنظافة طفلي حديث الولادة".
تعود بالذاكرة إلى أيّام الأسر الأولى: "خوفاً على الأرواح هربنا مع الأقرباء إلى الجبل، ومن ثم توجّهنا، إلى الحدود السورية، ولسوء حظنا ألقي القبض علينا، ناحية مجمّع دوكر، ثم اقتادونا بالسيارات إلى سيطرة"شلو"، وهناك تم عزل الرجال عن النساء، ثم توجهنا إلى مركز قضاء شنكال، وتبين أن زوجي استطاع النجاة من براثن "داعش" بعد محاولة قتله.
كانت هيام من ضمن المجموعة التي أرسلت إلى الموصل ومن ثمّ إلى تلعفر في قرية "كسرالمحراب"، حيث ولد ابنها فى الأول من تشرين الثاني 2014. تسرد أحوالها: "لقد كانت حالتى شديدة السوء. باعوني إلى داعشي في الرقّة عاملنى بـوحشيّة وكان يضرب ابني على الرغم من صغر سنه، حيث كان رضيعاً، ثم باعه إلى شخص آخر ، وكان عمره خمسة أشهر، حينها أحسست بأن الموت هو الأفضل لي بعدما فقدته".
بعد بيع رضيعها، حاولت هيام الانتحار بتناول 30 قرصاً من الحبوب المنوّمة، لكنّها استيقظت في المستشفى بعدما خضعت لعملية غسيل للمعدة. قيل لها آنذاك إن رضيعها بيع لرجل في تركيا، لكنها اكتشفت لاحقاً أنّه موجود في سوريا.
من الصدف الجيّدة في عام مزدحم بالمآسي، لقاء هيام بمحام كردي نقلها إلى أقاربه في الرقّة، ومن ثمّ إلى كردستان الغربيّة، قبل انتقالها إلى دهوك في 17 تموز 2015.
وفي مقتطف من الكتاب الصادر بالإنكليزية، تحكي هيام: "في منتصف الليل، جاءت مجموعة جديدة من رجال داعش... وأخذوا الفتيات المطلوبات. لمسوا أجسادهنّ وأخذوا الفتيات لاغتصابهن. كان من الممكن سماع الفتيات وهنّ يبكين ويصرخن ويتوسلن... كنت أبكي وأصرخ وأنا أشاهد العمل المروّع الذي قام به رجال داعش".
وعن الكتاب تؤكّد في مقابلة مع وكالة كردية: "لقد وزع الكتاب في المكتبات وحظي باهتمام كبير في مدن مختلفة في جميع أنحاء أوستراليا. أعمل حاليًا على ترجمة الكتاب إلى لغات متعددة وتوزيعه في جميع أنحاء العالم لرفع مستوى الوعي العالمي بالمظالم التي تتعرض لها المرأة الأيزيدية والمجتمع الإيزيدي ككل. إنني أحث المجتمع الدولي على الاهتمام بمحنة الإيزيديين، وبخاصة النساء الأيزيديات اللاتي عانين بشدة أثناء اختطافهن من قبل الجماعة المتطرفة".