لملمت فرشاة هادي يزبك ألوان الجمال، من أساطير الجبال، ورسمت منزلاً تراثيّاً آنس عشق النور، كمؤمنٍ متنسّكٍ عند أعتاب وادي قاديشا المقدّس، في "وردة الجبل" حصرون.
سكب هادي حنين الأبواب المقفلة للقاء أحبّة، على درج صقلته أرجل توالى مرورها دهراً، ورحلت، وبقي الدرابزون متأهّباً لفرحٍ آتٍ من دون مواعيد. وكأنّ قنطرة مدخل القبو تحته، أصابتها حمى المجد، في حضرة شجرة الأرز الباسقة، كعمر بلدة حصرون المتماوج على عتبات الأزل.
وزّع الربّ بتلات وردة الجبل، على سفوحٍ جبال إنتشت بقداسة المكان، وابتدع الزهد حكاية الخشوع. ووقعت بتلة على قماشة هادي يزبك، وعانقت ألوانه، فرفعت فرشاته قبلات العناق حجارة مداميكٍ، لتلتقي بسحر الفضاء.
ما أروع الريشة وهي تنسج الجمال بخفّة، في يقظة جدران كسرت صمت الانتظار الرمادي، بعد طول أمد الغياب. وكم شخصت حجارة المنزل إلى لوحة الألوان بين يديّ الفنّان، قبل أن تركن إلى مكانها ليعلو البنيان، فوجدت فيها مزيجاً من احمرار شفق، ورزقة سماء، واخضرار طبيعة، ورمادية ضباب إتّخذه الوادي المقدّس أسكيماً لتنسّكه.
وكم تراقصت الحجارة فرحة أمام هادي، بحضور معجزة قدّها من ألوانٍ وخيال، وليس من مقالع صخر منتشرة عل خصور الجبال. فلا صوت شاقوف ولا طرطقة إزميل، بل قصّة حبٍّ بين الريشة وقماش اللّوحة.
منزلٌ جميلٌ إعتمر القرميد الأحمر طربوشاً تحت الشمس. قرميدٌ استمدّ رونقه، من إرث الجمال الكائن في المكان. فإذا نظرْت إلى حصرون، وجدتها مدينة أخرى مختلفة، كأنّها وردة في حقلٍ أخضرٍ. وما لوحة هادي إلّا بتلة من بتلاتها، خانتها الذاكرة وهي في نشوة روعة الصيف، غير مدركةٍ حتمية العودة إلى صقيع الشتاء الذّي يحمل الثلج وقاراً لقرميد السطوح.
قرميدٌ يعلو قناطر تكلّل أعتاب الدار، تاركة عهداً خارج الأزمنة، مع أبطال رحلوا إلى تاريخ المجد، وراء الأفق المدهوش من صحوة منازل على أكتاف الوديان. ناظرة لسحيق وادٍ تتصاعد منه أناشيد وصلوات، وعطر بخّور من مباخر أديرة تعبّد فيها رهبانٌ قدّيسون.
تمثال مار لابا شفيع المدينة، يقف حارساً على مدخل الحديقة، يردّد صلوات بطاركة وأساقفة من حصرون، مرّت في المكان، ويستمع إلى ضحكات وأهازيج، خلال مواعيد في مواسم الفرح والمهرجانات في اللّيالي المقمرة التّي تنتظرها المدينة كلّ عام، عند حلول الصيف. والأكيد أنّ هادي وقف قبالة هذا التمثال، قبل أن يمزج الألوان، طالباً شفاعته من لدن الربّ. وقد استجاب الله له، وكانت لوحته تحاكي منظر منزل يفتخر بالتراث، رسماً وعمراناً، كجميع قصور ومنازل تلك البلدة التي تغار منها حدائق الورود.
دخلت فرشاة هادي يزبك فوع الجمال في وردة الجبل، فتراقصت شعيراتها فرحاً، وعند اجتيازها الشوارع، أنهكها التعب اللّذيذ، فاستراحت في ظلّ أرزة تحرس منزلاً، ونمّقت رسماً من ألوان الجبل السرمديّ، ورسمت بتلة من بتلات تلك الوردة النديّة. فكانت لوحة المنزل التراثيّ الجميل التّي تنظر إليها شمس الأصيل بدهشة من خارج الإطار، عازمة على استعمالها طابعاً بريدياّ، تلصقه على معاملة في دوائر الكون.