النهار

"مازلت أُغنّي في العتمة"
.
A+   A-
ليليان يمين

كنّا في انتظار الدخول إلى إمتحان الشفهي الكبير في الدراسات العليا في الحقوق حيث يرسب العديد عادة وكان الجميع في حالة توتر عندما قررت الإقتراب منها واختراق عزلتها ليقيني أنني قد لا أراها ثانية، كانت وعلى مدى سنة ونصف تصل وتغادر كأنها موصولة بعالم آخر،حتّى الأعمال التطبيقية الجماعية أذكر أنّها قامت بها منفردة، لم تبتسم لأحد فقط نظرة شكران إن ساعدها أحدهم على إيجاد مقعد. تطلّعتُ إلى عينيها مباشرة وسألتها إن كانت مضطربة قبل الإمتحان وجاء صوتها الجميل والمتماسك ليشعرني فورا بانجذاب واحترام كبيرين لها، أجابتني بأنها غير مضطربة أبدا فهي تجد مثل هذه المواقف بسيطة كإنتظار باص تأخر أو لم يصل لتعود وتسألني بوضوح شديد بماذا يقول عنها الرفاق أجبتها بصراحة أنها أوقعتهم بحيرة كبيرة وأبحت لها بالأكثر فأخبرتها أنّهم يحلّلون حياديتها ويردّون السبب تارة لقسوة مفرطة من الأب أو لحزن على فقدان الأخ الأكبر وتارة إلى كونك امرأة مطلقة. قاطعتني سائلة وأنتِ ما رأيك فأجبتها بحقيقة ما أشعر فبرغم أنها بمثل سنّي إلا أنني أشعر أن بيني وبينها هوّة من عشرات السنوات، نَظرَت إليّ حينها نظرةً لم أنسها حتى اللّحظة نظرةَ من أُصيب بطلق وقالت أنا أمي ولدتني وماتت، رحلت تاركة سنواتها الإثنتين والثلاثين فيّي لذا فصحيحٌ ما تشعرين به، سارعتُ للقول أننا متساوون أمام هذه الحياة أجابتني ما حفر في نفسي عميقاً حين رفضت قائلة نحن متساوون في الحياة نعم ولكن لحظة تطبع أمهاتنا قبلة على جباهنا فنتساوى في الضوء أما أنا لم أحصل على تلك القبلة وبقيت في جهة العتمة. آخر الكلام كان ما تفوهت أنا به عالياً : لو تعلمين كم يحلو لي الغناء في العتمة.

سنوات طويلة مرّت وأنا لم أكن أعرف سوى اسمها الأول لأتلقى الليلة في الإنبوكس من صديقة على صفحتي الفايسبوكية ودائمة الإهتمام بما أكتب رسالة من حظي أنني لم أهملها تسألني فيها ما إذا كنت لا أزل أغنّي في العتمة، عرفتها على الفور، عدتُ إلى صورتها التي تبدّلت كثيراً خاصة أنها نزعت الحجاب ووضعت النظارات الطبيّة، قلباً أحمر أولاً وكتبت لها أنني كما الأمس أحبّ العتمة حيث الصمت والعزلة ونعم ما زلت أّغنّي لأنني ما زلت أحلم بالسعادة .
الكلمات الدالة

اقرأ في النهار Premium