يكشف التحقيق بشأن شبكة واسعة ضالعة في تهريب آثار من الشرق الأدنى والأوسط وتضم في صفوفها رئيساً سابقا لمتحف اللوفر، عن تجارة غير قانونية متنامية على نطاق واسع منذ الربيع العربي، وفق اختصاصيين استطلعت آراءهم وكالة فرانس برس.
في صلب حركة التهريب هذه: قطع منهوبة من مواقع أثرية بينها مقابر تشبه "متاجر سوبرماركت حقيقية في الهواء الطلق"، في "بلدان تعاني من الحرب أو الاضطرابات السياسية"، مثل سوريا أو العراق أو مصر، ولكن "أيضًا في أميركا اللاتينية وإفريقيا"، على ما يقول أستاذ الآثار الشرقية في جامعة بواتييه فنسان ميشال لوكالة فرانس برس.
ويصف هذا الخبير في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية بأنها "سلسلة معقدة"، تبدأ ببلدان المصدر، ثم تمر ببلدان العبور (آسيا ودول الخليج وإسرائيل ولبنان) وصولا إلى دول المقصد (البلدان الناطقة بالإنكليزية وأوروبا، وأيضا روسيا أو اليابان أو الصين أو دول الخليج) التي تضم مشترين والكثير من المتاحف أو مشاريع المتاحف.
ويؤكد الاختصاصي الذي يحاضر باستمرار في مؤتمرات اليونسكو، أن "هذه الحركة التي ولدت من عمليات حفر سرية وتفاقمت بسبب الفقر، آخذة في الازدياد منذ الربيع العربي في 2011"، مضيفا "لم يعد في الإمكان التقليل من حجمه".
وقد احتل هذا الموضوع عناوين الأخبار في أنحاء العالم أجمع في الأيام الأخيرة بعد الكشف عن تحقيق في عمليات تهريب آثار على نطاق واسع، يُشتبه بأن جان لوك مارتينيز، الرئيس السابق للوفر، أكبر متحف في العالم، ضالع فيها.
وأعلن متحف اللوفر أبوظبي ومتحف اللوفر الباريسي الأسبوع الماضي أنهما طرف مدني في هذه القضية.
كذلك، حكمت محكمة في بغداد الاثنين على بريطاني أدين بمحاولة تهريب قطع أثرية من العراق بالسجن 15 عاما، فيما برأت ألمانياً كان يحاكم في القضية ذاتها.
وفي ظل "استحالة تقدير قيمته بالأرقام"، فإن تهريب الآثار العالمية يطاول قطعا بـ"عشرات ملايين أو حتى مئات ملايين" الدولارات.
ويؤكد ميشال الذي يدرب الأجهزة المتخصصة في الشرطة والقضاء والجمارك، أن "إيرادات سوق الفن القانونية تقرب من 63 مليار دولار، ما يثير شهية المهربين على الكسب المادي".
ويحذر من أن هذه التجارة غير المشروعة "تغذي الجرائم الصغيرة وعصابات الجريمة المنظمة على السواء".
ويقول إن هذه الشبكات "مرتبطة بتهريب المخدرات والأسلحة، وهي جزء من جريمة منظمة متعددة الأشكال لغسيل الأموال"، بما "يخدم العصابات وتجار المخدرات والجماعات الإرهابية".
في مصر، حيث يتم التداول بالكثير من المنتجات المقلدة، ازداد عدد عمليات التنقيب الأثري غير القانوني من 1500 سنويا إلى 8960 في عام 2020، وفق الخبير.
ويشير إلى أن الأعمال المنهوبة في حالة ممتازة بسبب المناخ الجاف، كما هو الحال في المكسيك. ويستخدم اللصوص أجهزة الكشف عن المعادن على وجه الخصوص لرصد وجود الذهب والفضة والبرونز كأولوية.
ويقول كزافييه ديليستر، مسؤول الآثار في المديرية الإقليمية للشؤون الثقافية في منطقة بروفانس ألب كوت دازور الفرنسية، حيث "تفاقم نهب المواقع الأثرية المحلية"، إن خدمات الدولة تواجه أيضا عمليات "تهريب لممتلكات ثقافية من الخارج"، لا سيما من إفريقيا وأميركا اللاتينية.
وتطاول هذه العمليات وفق ديليستر، "أعمالا فنية ذات قيمة سوقية عالية للغاية تنتهي في الموانئ الحرة (مواقع تخزين تمر فيها الأعمال من دون فرض ضرائب) وتعاود الظهور مع تعرفات كاذبة، ثم تُعاد إلى السوق المشروعة؛ أو أشياء ذات قيمة أقل متداولة بشكل جماعي من الشبكات الاجتماعية إلى مواقع البيع عبر الإنترنت ".
يوضح ميشال أن صانعي القطع المقلّدة "بارعون بشكل لا يُصدق في إبعاد الشبهات عن القطع المنهوبة من طريق خلط معلومات كاذبة، مع اختراع نسب وتلفيق مستندات تصدير أو فواتير شراء مزيفة، من أجل إخفاء الأصل غير المشروع".
وبمجرد إعادة إدخالها إلى السوق القانونية، "تكاد تكون القطعة المنهوبة غير قابلة للكشف".