برحيل وجيه فانوس الباحث والاكاديمي يخسر لبنان قيمة فكرية ساهمت في تطوير النقد وأعطته بعداً مهماً في السياقات الفكرية التي يولد ويتطوّر بها. لم يتوقف وجيه فانوس، الذي توفي أمس في بيروت عن عمر يناهز 74 عاماً (1948 – 2022) عن الكتابه النقدية، وهو الاكاديمي الذي مارس التعليم في الجامعة اللبنانية وكان مديراً للفرع الأول لكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة، فطبعت مسيرته وقدم من خلالها قراءاته المتعددة في أكثر من 20 كتاباً حول علاقة النقد بالسياقات الفكرية التي يولد ويتطوّر فيها، واستعادة النقد العربي القديم بوصفه تعبيراً عن خلاصة الحضارة العربية الإسلامية، والتي اهتمّ بها كأساس لأي مشروع نهضوي عربي.
شخصية وجيه فانوس الحوارية جعلته أحد القلائل الذي خاضوا حوارات متعددة مع كل المكونات والمجتمعات الثقافية في لبنان، مستنداً إلى تحصيله الاكاديمي وثقافته الواسعة كعلم من أهل الفكر والنقد وهو المتخصص في الأدب المقارن، فكانت منهجية تفكيره تقوم على الجمع والتواصل والمقاربة الهادئة للمواضيع الإشكالية، وهو ما ترجمه في ممارسته خلال ترؤسه للمركز الثقافي الإسلامي، إلى دوره في اتحاد الكتاب اللبنانيين وحلقة الحوار الثقافي، وأيضاً في موقه الاكاديمي في الجامعة اللبنانية التي بقي حريصاً على التعليم فيها حتى بعد تقاعده.
وجيه فانوس إبن بيروت، ولد في برج أبي حيدر، وتلقى دراساته الأولى في مدارس “جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية”، وأكمل تعليمه في “الجامعة اللبنانية” متخصّصاً في اللغة العربية وآدابها وعلوم التربية، كما حاز درجة الماجستير في الأدب من الجامعة نفسها، وحصل على شهادة في النقد الأدبي المقارن من “كليَّة سان أنتوني” في “جامعة أوكسفورد” عام 1980. وبعد عودته إلى لبنان عمل أستاذاً محاضراً في “الجامعة اللبنانية” حتى تقاعده. وعُرف الراحل منذ السبعينات كأحد أبرز الناشطين في العمل الطالبي أثناء دراسته.
تفرّغ للكتابة بالتوازي مع عمله الأكاديمي والثقافي، وأول إصداراته كان كتاب "دراسات في حركية الفكر الأدبيّ" (1991)، الذي تناول فيه نماذح مختلفة في الأدب العربي والرواية في النقد الغربي المعاصر. وألّف أكثر من عشرين كتاباً تمحورت غالبيتها حول النقد، أبرزها: "الريحاني والمعرّي" (1993)، و"محاولات في الشِّعري والجمالي" (1995)، و"أحداث من السِّيرة النَّبويَّة في مرايا مُعاصرة" (1996)، و"مخاطبات من الضفَّة الأخرى للنَّقد الأدبي" (2001)، و"العلاقات العامَّة في المؤسَّسات الأهليَّة" (2003)، و"إشارات من التَّثاقف العربيّ مع التَّغريب في القرن العشرين" (2004)، و”لمحات من النَّقد الأدبي الجديد” (2012)، و"شفيق جدايل... حكاية صوت" (2014). كما شارك في إعداد المناهج المدرسية المتخصصة في الأدب العربي للمرحلة الثانوية في لبنان، إلى تأليف عدد من المسلسلات والبرامج الإذاعية منها "حكاية عمر"، و"موزيكا يا دنيا"، و"قضايا وآراء ومن حكايات العرب".
رحل وجيه فانوس، وهو يترك فراغاً في الادوار الحوارية والثقافية التي تولاها، والنقد الذي مارسه في الكتابة، وهو صاحب مقولة "شرعنة النقد" التي تحتاج الى من يحققها في الفضاء الفكري العربي، خصوصاً وأن حصر النقد الأدبي العربي المعاصر في مجال الأكاديميا والبحوث بين أهل الاختصاص، هو مظهر من مظاهر مأساة النقد.